المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412465
يتصفح الموقع حاليا : 367

البحث

البحث

عرض المادة

أدلة النصارى على ألوهية المسيح

تؤمن الفرق النصرانية (1) - رغم اختلافها في طبيعة المسيح - بأن المسيح إله متجسد، وتؤيد دعواها بعشرات النصوص التي وردت في العهد الجديد - وأحياناً - القديم، ويرونها تتحدث عن إلهيته حين سمته رباً وإلهاً أو وسمتْه بـ (ابن لله)، بينما أفادت نصوص أخرى في الكتاب أن الله حل فيه، وأضافت نصوص أخرى إليه القيام بأفعال الله كغفران الذنوب وخلق المخلوقات، ثم كان من أعظم أدلة ألوهيته ما ظهر على يديه من معجزات إلهية كإخباره ببعض الغيب وإحيائه الموتى ...

[مدخل إلى مناقشة أدلة النصارى على ألوهية المسيح]

وقبل أن نبدأ بمناقشة أدلة النصارى، فإنا نسجل ملاحظات هامة في هذا الباب:

- أنه لا يوجد نص واحد في الكتاب المقدس يصرح فيه المسيح بألوهيته أو يطلب من الناس عبادته، كما لم يعبده أحد من معاصريه، ولم ينظر إليه هؤلاء إلا كمدع للنبوة، آمن به بعضهم، وكفر بنبوته الأكثرون من اليهود، لكن دعوى ألوهيته لا أساس لها في الكتاب المقدس أو على الأقل في أقوال المسيح وتلاميذه، وفي هذا الصدد تحدى العلامة أحمد ديدات كبيرَ قساوسة السويد في مناظرتهما المتلفزة قائلاً: "أضع رأسي تحت مقصلة لو أطلعتموني على نص واحد قال فيه عيسى عن نفسه: أنا إله. أو قال: اعبدوني"، وهيهات أن يجدوه.

والقس فندر يقول في كتابه "مفتاح الأسرار" مبرراً عدم تصريح المسيح بألوهيته في العهد الجديد: "ما كان أحد يقدر على فهم هذه العلاقة والوحدانية قبل قيامه


(1) ولابد لنا أن نستثني هنا فرقة شهود يهوه وبعض الكنائس الموحدة، فإن هؤلاء رفضوا القول بألوهية المسيح والتثليث، رغم إيمانهم بقدسية الكتاب المقدس، لكنهم لم يجدوا فيه دليلاً ينهض لإثبات هذه العقيدة التي اخترعتها المجامع، فرفضوها.

وعروجه ... فلو قال صراحة لفهموا أنه إله بحسب الجسم الإنساني ... إن كبار ملة اليهود أرادوا أن يأخذوه ويرجموه، والحال أنه ما كان بيّن ألوهيته بين أيديهم إلا عن طريق الألغاز" (1).

ويؤكد هذا المعنى البابا شنودة حيت سئل عن سبب عدم تصريح المسيح بألوهيته، فأجاب: "لو قال عن نفسه إنه إله؛ لرجموه, ولو قال للناس: إعبدوني؛ لرجموه أيضاً وانتهت رسالته قبل أن تبدأ ... إن الناس لا يحتملون مثل هذا الأمر، بل هو نفسه قال لتلاميذه: "عندي كلام لأقوله لكم , ولكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يوحنا 16/ 12) " (2).

والخوف من اليهود ورجمهم وأذاهم لا يقبل نسبته إلى الإله أو حتى للمسيح الذي رأيناه يواجه اليهود مراراً فيقول: "الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون .. أيها العميان ... لأنكم تشبهون القبور المكلسة، أيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم" (متى 23/ 13 - 34)، فكيف له بعد ذلك أن يغمض على البشرية في إظهار حقيقته، ففي ذلك إضلال وتلبيس.

- أن أحداً من تلاميذ المسيح لم يكن يعتقد ألوهية المسيح، إذ لم يعبده واحد منهم، بل كلهم وجميع معاصري المسيح ما كانوا يعتقدون أكثر من نبوته، وسيمر معنا تفصيله.

- ثم إن أقوى ما يتعلق به النصارى من دليل على لاهوت المسيح المزعوم إنما نجده في إنجيل يوحنا ورسائل بولس، بينما تخلو الأناجيل الثلاثة من دليل واضح ينهض في إثبات ألوهية المسيح، بل خلو هذه الأناجيل عن هذا الدليل هو الذي دفع يوحنا - أو كاتب إنجيل يوحنا - لكتابة إنجيل عن لاهوت المسيح، فكتب في آخر القرن الميلادي الأول ما لم يكتبه الآخرون قبله، وجاءت كتابته مشبعة بالغموض والفلسفة الغريبة عن بيئة المسيح البسيطة التي صحبه بها العوام من أتباعه.

- عدم الدليل الصحيح الصريح على ألوهية المسيح جعل النصارى يحرفون في طبعات الأناجيل الجديدة، بغية خلق أدلة تسند هذه المعتقدات الغريبة عن الكتاب المقدس.

ومن ذلك إضافتهم نص التثليث الصريح الوحيد في (يوحنا (1) 5/ 7).


(1) إظهار الحق، رحمة الله الهندي (3/ 718 - 724).
(2) سنوات مع أسئلة الناس (أسئلة لاهوتية وعقائدية "أ"، البابا شنودة، ص (46)، وانظر: الله في المسيحية، عوض سمعان، ص (369).

ومثله وقع التحريف في قول بولس: " عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد" (تيموثاوس (1) 3/ 16) فالفقرة كما قال المحقق كريسباخ: محرفة، إذ ليس في الأصل كلمة "الله"، بل ضمير الغائب "هو" أو "الذي".

ويقول القس جيمس أنِس مبيناً سبب وقوع هذا التحريف وتاريخه: "ومما يرجح صحة قراءة (الذي) عدم ذكر اللاهوتيين القدماء هذه الآية مع الآيات الكثيرة التي أوردوها ليثبتوا لاهوت المسيح، وهم يردون على ضلالة آريوس.

أما سبب تبديل كلمة (الذي) بكلمة (الله) في النسخ اليونانية الحديثة، فهو ما بين اسم الجلالة (حيث كتبت على صورتها المختصرة بحرفين فقط) [ C ?] ، وكلمة (الذي) [ C ?] من المشابهة في صورة كتابتها، فليس بينهما فرق إلا في خط صغير؛ يقرب من النقطة التي تفرق بين الجيم والحاء في الكتابة العربية .. والراجح أن النساخ زادوا ذلك الخط الصغير ليوضحوا المعنى في بعض النسخ، فتحولت كلمة (الذي) إلى (الله)، ثم شاع استعماله في كل نسخ القرون المتوسطة؛ خلافاً للنسخ القديمة التي لم يُر فيها إلا كلمة (الذي) " (1).

ولو أعدنا قراءة قول بولس حسب القراءة الصحيحة وبعيداً عن التحريف المتعمد للنساخ؛ فإنا نجده متحدثاً عن ظهور التقوى في جسد حي، فأحالته الترجمات الحديثة إلى دليل على التجسد الإلهي في المسيح.

وفي النسخة اليسوعية الكاثوليكية والترجمة العربية المشتركة تم إزالة التحريف وتصحيح النص، ليصبح: "عظيم سر التقوى الذي تجلى في الجسد"، واختفى منها اسم الله تبارك وتعالى، وتغير المعنى، وتلاشت دلالته على ألوهية المسيح.


(1) علم اللاهوت النظامي، جيمس أنِس، ص (206)، وانظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 460).

ومثله تلاعب المترجمون برسالة يهوذا، حيث جاء في النسخة البرتستنتية الأشهر في المسيحية - والتي اعتمدنا عليها في هذه السلسلة - ما يوهم أن المسيح هو "القادر أن يحفظكم غير عاثرين، ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج، الإله الحكيم الوحيد، مخلّصنا، له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور" (يهوذا 1/ 24 - 25)، والصحيح أن النص يتحدث عن الله المخلص، الذي يخلص بالمسيح، وليس عن المسيح، فالقراءة كما في نسخة الرهبانية اليسوعية الكاثوليكية: "للإلهِ الواحد مخلصِنا- بيسوع المسيح ربِنا - المجدُ والجلال والعزة والسلطان"، والنص في النسخة البرتستنتية حذف اسم المسيح، ليوهم أنه صاحب الخلاص، وليس واسطة الخلاص، وأنه "الإله الحكيم الوحيد"، بينما النص الكاثوليكي يتحدث عن الله "الإله الواحد مخلصنا".

وثالثة الأثافي التلاعب بعبارة بولس في سفر أعمال الرسل، حيث زعموا أنه قال: " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أعمال 20/ 28)، وعليه فالمسيح هو الله الذي اقتنى الكنيسة بدمه، وقد قال أغناطيوس: "دعي يسوع المسيح إلهاً، وقيل في دمه: إنه دم الله" (1).

وهذه القراءة لا يسلم بصحتها ودقّتها، وقد أشار إلى ذلك محققو الرهبانية اليسوعية في حاشية النص إلى تعدد قراءات النص في المخطوطات، فقالوا: "قراءات مختلفة: "كنيسة الرب (يسوع) "، أو " (يسوع) المسيح"، أو "الرب"، أو "الرب (و) الله".

ويبينه القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره بقوله: "جاء تعبير (كنيسة الله)


(1) علم اللاهوت النظامي، جيمس أنِس، ص (209).

هنا في كثير من المخطوطات، خاصة السريانية: (كنيسة الرب) " (1).

وهكذا ترك طابعو الكتاب تلك القراءات وما في تلك المخطوطات الكثيرة، واختاروا ما يحلو لهم، وذلك في خضم تخبطهم وبحثهم عن أدلة يسندون فيها دعواهم بألوهية المسيح.

ويجدر التنبيه إلى أن بعض النسخ الإنجليزية كنسخة ( Good News Bible) ونسخة ( Contemporary English Version) ، وغيرها يقول: " through the blood of his Son" أي اقتناها بدم ابنه. فيفرق بين صاحب الكنيسة (الله أو الرب) وابنه صاحب الدم.

لقد لجؤوا إلى التحريف حين أعياهم أن يجدوا دليلاً صحيحاً في دلالته على ألوهية المسيح عليه الصلاة والسلام.

وهذي يدي ممدودة إليك - أخي الباحث عن الحقيقة - لندرس معاً بحيادية وموضوعية أدلة النصارى الكتابية التي زعموا أنها دالة على ألوهية السيد المسيح عليه الصلاة والسلام.


(1) أعمال الرسل، القمص تادرس يعقوب ملطي، ص (782).

 

  • الثلاثاء AM 11:04
    2022-05-10
  • 1179
Powered by: GateGold