المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408997
يتصفح الموقع حاليا : 426

البحث

البحث

عرض المادة

المسيح في معتقد المسلمين

يتلخص معتقد المسلمين في المسيح عليه السلام أنه المسيح ابن مريم الصديقة، ولد بمعجزة إلهية من غير تدخل بشري، وقد ابتعثه الله نبياً ورسولاً إلى بني إسرائيل، يدعو إلى توحيد الله، ويبشر بمقدم خاتم النبيين، وأيده بالمعجزات العظيمة، فاستمر في دعوته، مراغماً لليهود الذين أرادوا قتله، جرياً على عادتهم في قتل الأنبياء، لكن الله أنجاه من مكر اليهود ومؤامرتهم لقتله، ورفعه إلى سماواته، وسيعود عليه السلام قبيل قيام الساعة، داعية إلى الله من جديد، ومطبقاً لشرعه، منكساً للصليب، ورافعاً لأعلام التوحيد.

ولمزيد من البيان نستعرض الآيات التي أنزلها الله بشأنه عليه السلام في القرآن الكريم.

فقد تحدثت الآيات عن عيسى عليه السلام، فذكرت أن الله شرفه ببنوته لمريم الطاهرة البتول المصطفاة من نساء العالمين {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} (آل عمران: 42)، ومثل هذا المديح للبتول مريم لن يجده قارئ في كتاب ما سوى القرآن الذي ذكر أن الله أكرمها بالكرامات، ومنها {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله} (آل عمران: 37).

وحكى القرآن عن كفالة النبي زكريا لها بعد نذر أمها بأن يكون حملها محرراً لله وعبادته، فولدت البتول الطاهرة، وتربت على عبادة الله وامتثال أمره، وقد أمرها الله عز وجل بذلك {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} (آل عمران: 43)

ولما بلغت مريم مبلغ النساء حملت بمولودها الذي بشرها الله به عن طريق الملائكة، وسماه لها {إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} (آل عمران: 45).

وذكرت الآيات القرآنية الكريمة أن المولود القادم قد خُلق بكلمة من الله، من غير تدخل بشري، فقد خلقه الله من غير أب، وبينت الآيات أن ليس في ذلك ما يقتضي عبادة النصارى له وتأليههم، فقد خلق الله آدم أيضاً على غير الصورة المألوفة في البشر {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: 59)، لقد خلقا جميعاً بكلمة التكوين الإلهية (كن).

وتحدثت الآيات القرآنية عن ولادة هذا المولود المبارك، فقد كان ميلاده من غير أب، لتكون أول معجزاته عليه السلام {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} (المؤمنون: 50)، ثم أنطقه الله في المهد حال طفولته، أنطقه ليرد فرية اليهود على أمه العذراء البتول {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً - قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً - وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيّاً - وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً - والسّلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّاً} (مريم: 29 - 33)، {ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين} (آل عمران: 46).

ولما بلغ مبلغ الرجال أرسله الله كما أرسل رسلاً قبله {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم} (المائدة: 46)، ورسالة عيسى تصديق وتتمة لرسالة موسى الكليم {ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} (آل عمران: 50)، لذا آتاه الله العلم بالتوراة {إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} (المائدة: 110)، وأنزل الله عليه الإنجيل {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور} (المائدة: 46)، والإنجيل المذكور في الآية هو إنجيل المسيح، وليس شيئاً مما ينسبه النصارى إلى تلاميذه وتلاميذهم.

وقد أيد الله المسيح بالمعجزات، وآتاه من الآيات ما يدل على نبوته وما تقوم به حجة الله على قومه الذين أرسل إليهم {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني} (المائدة: 110)، ومن آياته أيضاً علمه ببعض الغيوب التي أطلعه الله تعالى عليها {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 49).

وكما أيده الله بالبينات؛ أيده بروح القدس، جبريل عليه السلام {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} (البقرة: 87)

وبين القرآن أن رسالته عليه السلام كانت إلى بني إسرائيل خاصة {ورسولاً إلى بني إسرائيل} (آل عمران:49)، فدعاهم إلى عبادة الله، وبشرهم بنبيه الخاتم {يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} (الصف: 6).

وقد انقسم بنو إسرائيل حيال دعوته إلى مؤمن به وكافر {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة} (الصف: 14)، والمؤمنون به هم حواريوه البررة الكرام.

وأما غيرهم من اليهود فكادوا عيسى ابن مريم ولم يؤمنوا به، فاستحقوا اللعنة والغضب من الله {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} (المائدة: 78 - 79).

وتحدثت الآيات القرآنية أيضاً بوضوح عن نجاة عيسى - عليه السلام - من الصلب الذي لم تنف الآيات وقوعه، لكنها أكدت على أن المصلوب الذي تمكن منه اليهود غيره عليه الصلاة والسلام {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} (النساء: 157)، وأكد القرآن جهل أهل الكتاب في هذا الموضوع وعدم تيقنهم منه {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً} (النساء: 157).

وأكدت الآيات نجاته من الصلب مرة أخرى في قوله: {ومطهرك من الذين كفروا} (آل عمران: 55)، وقوله: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} (آل عمران: 54).

ويذكر القرآن مصير عيسى - عليه السلام - بعد نجاته من المؤامرة {إني متوفيك ورافعك إلي} (آل عمران: 55)، وقوله: {بل رفعه الله إليه} (النساء: 158)، والوفاة المذكورة في الآية تحتمل معان في لغة العرب، منها الموت، ومنها النوم، ولا يمكننا الجزم بأي المعنيين، وإن مال الكثيرون من أهل العلم إلى الثاني.

ويشهد لصحة هذا الرأي في فهم الآية ما يذكره القرآن من نزوله آخر الزمان وإيمان أهل الكتاب به {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} (النساء: 159)، فنزوله سيكون آخر الزمان، وهو علامة على انقضائه {وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها} (الزخرف: 61).

وذكرت في سياق معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه {يكلم الناس في المهد وكهلاً} (آل عمران: 46)، وليس في كلام الكهل إعجاز إلا إذا كان صاحبه قد رفع إلى السماء ولما يبلغ بعد سن الكهولة، أي أنه سيعود مرة أخرى، ويكلم الناس حال كهولته.

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نزول أخيه المسيح - عليه السلام - قبيل الساعة وعن كسره للصليب، وأنه - عليه السلام - لا يقبل من الأديان غير الإسلام، وأنه يبقى في الأرض أربعين سنة، ثم يموت كسائر الناس، فيصلي عليه إخوانه المسلمون، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين مُمَصَّرَتين [أي ملابسه فيها صُفرة خفيفة]، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويُهلِك المسيحَ الدجال، فيمكثُ في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون)) (1).


(1) رواه أبو داود ح (3766).

وحذرت الآيات القرآنية من الغلو في عيسى عليه السلام، واعتبرته من التقول الباطل على الله عز وجل {يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء: 171)، فهذه هي حقيقة المسيح التي أوضحها القرآن في مواضع كثيرة منه {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون - ما كان لله أن يتّخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون} (مريم: 33 - 34)، فقد خلقه الله بكلمته، وحاشا لله أن يتخذه أو غيرَه ولداً.

والمسيح عليه السلام لم يدع ألوهية نفسه قط، بل إنه يبرأ يوم القيامة من كل المشركين الزاعمين ألوهيته، وذلك حين يسأله الله على رؤوس الأشهاد: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة: 116 - 117)، فتنكس الرؤوس حينئذ ولا تنفع الحسرات، ولا تنقطع التأوهات.

هذه هي الحقيقة فحسب، وما لذا فإن مذاهب النصارى فيه زور وافتراء {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} (مريم: 34)، ومن افترائهم قولهم الذي كفرهم الله به ببنوة المسيح لله: {وقالت النّصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم} (التوبة: 30)، كما ذمّت الآيات قول آخرين بأنه هو الله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً} (المائدة: 17).

وهكذا فإن إيمان المسلم بهذا النبي العظيم ركن من أركان الإيمان، لا يقبل الله عبداً إلا به {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (البقرة: 285)، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.

 

 

 

  • الثلاثاء AM 10:40
    2022-05-10
  • 661
Powered by: GateGold