الحمد لله رب العالمين، وأصلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله على عباده نعمة العقل، إذ به يشرف الإنسان ويكلّف، ويعرف خالقه جل شأنه، وبه يميّز بين الخير والشر، والهدى والضلال.
ولكنّ هذا العقل له طاقات وحدود لا يجوز له تجاوزها وتعديها، فإذا تجاوزها وقع في المهالك، ومن ذلك أنه لا مجال للعقل في الأمور الغيبيات إذ ليس له إدراك حقيقتها على التفصيل. وهذا من فضل الله ورحمته بالإنسان، حيث لم يكلّف العقل ما لا يستطيع، بل جعل العصمة حقاً للوحي المتمثل في الكتاب والسنة، وفي هذا صيانة للعقل البشري من التمزق والانحراف، وللمجتمع من الفرقة والخلاف.
ولما سارت الأمة على هذا المنهج عزّت وسادت، ولما تخلت عنه دبّ إليها الضعف والخلاف، وذلك بسبب نشأة ما يسمى بالتيار العقلي في حياة المسلمين على يد المعتزلة. ولخطورة هذا التيار وقف السلف الصالح والأئمة موقفاً حازماً ضد هذا الاتجاه وأصحابه، كاشفين آثاره وأضراره, مبيّين اضطراب أصحابه بما يحفظ الأمة من الانزلاق عن الصراط المستقيم.
ثم إنه في أعقاب الزمن، وفي هذه العصور المتأخرة، نشأة في المسلمين نابتة تدعو إلى إحياء مذهب المعتزلة والفلاسفة، ونشره بين المسلمين، باعتباره في نظرهم من التراث الإسلامي الأصيل.
ومن أجل الآثار الخطيرة لهذا التيار الاعتزالي العقلي على حياة المسلمين، أحببت أن أبيّن أهم هذه الآثار من خلال هذا البحث، الذي هو بعنوان:
التيار العقلي لدى المعتزلة
وأثره في حياة المسلمين المعاصرة