إن الصراع بين الحق والباطل، قائم منذ الأزل، وما ذاك إلا أنه سنة من سنن الله عز وجل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ولقد تكالب أعداء الإسلام على الدين الحق من كل حدب وصوب، بقيادة اليهود والنصارى حيث لم يعلموا وسيلة إلا استخدموها، ولا طريقة إلا سلكوها، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (1) .
وكانت من وسائلهم للنيل من هذا الدين؛ الحروب الصليبية، والتنصير، ثم الاستشراق.
وهو - أي الاستشراق- من أخطر الوسائل، وذلك لزعمهم أنه فكر نير ملتزم بالموضوعية، والأمانة العلمية في البحث، والدراسات الإسلامية.
وقد اهتم المستشرقون بالمعتزلة اهتماماً بالغاً، ظهر في تمجيدهم لرجال هذه الفرقة، ونشر مؤلفاتهم، والمبالغة في الثناء عليهم وعلى أفكارهم، وبيان أنهم أكثر المنتسبين إلى الإسلام فهماً للإسلام.
كما وصفهم المستشرق (شتيز) بأنهم المفكّرون الأحرار في الإسلام، وألّف كتاباً بهذا الاسم.
وكتب المستشرق (هاملتون جب) عدداً من الكتب منها؛ وجهة الإسلام (إلى أين يتجه الإسلام) و (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) مجَّد فيه مسلك المعتزلة ومن تأثر بهم في هذا العصر، ودعا إلى إسقاط مذهب أهل السنة، وقبول مفهوم التطور.
وقامت المستشرقة (سوسنه ديفلد) بتحقيق كتاب (طبقات المعتزلة) لأحمد بن يحيى المرتضى، صدَّرته بمقدمة أشادت فيها بالمعتزلة وأنها خدمت دين الإسلام خدمة عظيمة من خلال مجادلتها للثنوية وردها لمقالاتهم. وذكرت بأنها - أي المعتزلة - وطَّأت لأهل السنة الطريق لإثبات عقيدتهم.
كما أثاروا في نفوس الباحثين أن تاريخ المعتزلة وعقائدهم وثروتهم العلمية قد ذهبت، فأصبح الاعتماد على نقول خصومهم عنهم؛ مما يحتم ضرورة إنشاء بعثة علمية لأخذ الصورة الحقيقية من مخلفاتهم الخطية المبعثرة في بلاد اليمن وغيرها والقيام بنشرها. وقد كانت هذه دعوة المستشرق (الفرد جيوم) أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن، حيث قال: "إن ما انتهى إلينا من كتابات رجال الاعتزال قليل جداً إلى حد أننا مضطرون إلى أن نعتمد على ما يقوله مخالفوهم عنهم، وقد كانوا يحملون لهم ذكريات مريرة لما قام به المعتزلة من أعمال تعسفية لذلك، فإن أملنا لكبير، إذا كنت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي أن نقوم بنشرها. هذا وإن أولئك الذين يرغبون في الوقوف على نتاج العقل العربي في عصور الخلافة الذهبية، يحسنون صنعاً إذا أقدموا على درس هذه الرسالة اللمّاعة في تأريخ حركة عظيمة في حركات الفكر العربي" (2) .