المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412635
يتصفح الموقع حاليا : 325

البحث

البحث

عرض المادة

حـــــق العــــودة الفلســطيني

حـــــق العــــودة الفلســطيني
The Palestinian Right of Return
عودة الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من عملية نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية الاستيطانية. وهو حق أساسي من حقوق الإنسان. وفي الميثاق العالمي لتلك الحقوق مادة تنص على حق كل مواطن في العيش في بلاده أو تركها أو العودة إليها. وهو مرتبط بحق الملكية والانتفاع بها والعيش في الأرض المملوكة. وحق الملكية لا يزول بالاحتلال. وهو مرتبط أيضاً بحق تقرير المصير الذي اعترفت به الأمم المتحدة كمبدأ منذ عام 1946.


لقد اعتبر السماح بعودة اللاجئين أحد الشروط التي وضعت لقبول إسرائيل عضواً بالأمم المتحدة عام 1948. وثمة إعلان صريح وشهير أصدرته الجمعية العامة تحت رقم 194 لسنة 1948، قررت فيه "أن اللاجئين الراغبين في العودة إلي أوطانهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، يجب أن يُسمَح لهم بذلك، في أول فرصة عملية ممكنة، وأنه يجب تعويض الذين لا يرغبون في العودة عن ممتلكاتهم، ودفع تعويض عن الخسائر والأضرار التي أصابت الممتلكات لإصلاحها وإرجاعها من قبَل الحكومات والسلطات المسئولة، بناءً على القانون الدولي والعدالة.

إن مقولة نسيان الماضي والتطلع إلى المستقبل تزدري العقل الإنساني وتهينه، لأننا لا نعرف إنساناً يمكن أن يَنْسى وطنه لمجرد أن هناك من يدعوه إلى شطبه من ذاكرته. ويبلغ ذلك الإزدراء ذروته إذا صدرت الدعوة من الطرف الإسرائيلي الذي يستمد كل شرعيته من الماضي، ويعتبر قادته أن التوراة كتاب لتسجيل المدن ورسم الخرائط على حد تعبير إسحق رابين.

أما حكاية أن الفلسطينيين لم يعودوا راغبين في العودة، فهي مسألة ينبغي ألا يفترضها أو يفرضها أحد على أحد، وإنما يقررها كل فلسـطيني بنفسـه. ثم إنها أكذوبة أخرى تعـمد إلى التزييف والتضليل، وساكنو المخيمات منذ الأربعينيات شاهد عملي على ذلك. وإذا علمنا أن الذين طردوا وشردوا عام 1948 كانوا آنذاك 805 ألف شخص، فإن عددهم الآن ونحن على مشارف العام الخمسين للنكبة قد تجاوز أربعة ملايين و600 ألف شخص. كل من امتلك منهم شيئاً في فلسطين لا يزال يحتفظ بأوراقه الثبوتية حتى هذه اللحظة، ومنهم من لا يزال يحتفظ بمفاتيح داره وخزائن ثيابه، ويعتبرها مقدَّسات محرَّزة في مكان أمين، بحسبانها حبلاً سُرياً يصلهم بالوطن المنهوب.

لقد أنشأ قرار الأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 القاضي بعودة اللاجئين كياناً خاصاً لترتيب أمور العودة، عُرف باسم «هيئة التوفيق في فلسطين»، أُنيطت بذلك الكيان أيضاً عملية اقتراح تسوية نهائية للقضية. وبعد ذلك بقليل أنشأت الأمم المتحدة وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، التي لا نظير لها إلى الآن، للعناية بأمر اللاجئين الفلسطينين في مخيماتهم. ولا تزال هيئة التوفيق قائمة من الناحية القانونية، ومكاتبها موجودة في الأمم المتحدة، لكن كل أنشطتها مجمدة، حتى لم يَعُد أحد يأتي لها على ذكر.

وكانت هيئة التوفيق هذه قد سعت منذ بداية الخمسينيات إلى أداء المهمة الموكولة إليها، فعرضت مرة، بناءً على طلب العرب، العودة الفورية لـ 200 ألف لاجئ على الأقل، إلى الأراضي التي احتلتها إسرائيل زيادة على مشروع التقسيم لعام 1947. لكن قادة الصهاينة رفضوا الفكرة. وفي وقت لاحق، وبضغط أمريكي، وافقت إسرائيل من حيث المبدأ على إرجاع 100 ألف لاجئ في إطار معاهدة سلام شاملة مع العرب، وحينما أبدى العرب استعداداً لذلك، ردت إسرائيل قائلة إن العدد انخفض إلى 65 ألفاً، وزعمت أن 35 ألفاً "تســللوا" إلى ديــارهم، ووضعت تحفظات عدة على العـدد البـاقي، وهـو ما أفــرغ الاقـتراح من مضمونه، وأجهض الفكرة.

لم يكن مستغرباً أن تسعى إسرائيل بكل وسيلة وحيلة للتهرب من التزامها بإعادة اللاجئين والاستجابة للقرارات الدولية في هذا الصدد، فالمشروع الصهيوني هو في الأساس مشروع طرد ونفي الشعب الفلسطيني.

ولأن الحق مقدَّس، لا يمكن التنازل عنه أو تعويضه بأيِّ مقابل، فلا مجال للتساؤل عما إذا كان يتعيَّن عودة اللاجئين أم لا، حيث الأصل هو وجوب العودة، ولا يجوز بأيِّ معيار أن يُفـتَح باب مناقشـة السؤال «هل؟»، وأسخف منه وأقبح السؤال «لماذا؟» وإنما السؤال المشروع هو «كيف؟».

الدكتور سلمان أبو سنة الخبير الفلسطيني البارز عكف على دراسة الموضوع طيلة السنوات العشر الماضية، وخرج بنتيجة خلاصتها أن عودة جميع اللاجئين المنفيين إلى أوطانهم ليست حقاً قانونياً وشرعياً فقط لكنها ممكنة أيضاً.

وهو يشرح النتيجة التي انتهى إليها. فهو يشير إلى أن إسرائيل مُقسَّمة إلى 36 إقليماً طبيعياً، وطبقاً لإحصاء عام 1994 فإن عدد السكان اليهود في إسرائيل 4 ملايين و420 ألفاً، بينما عدد العرب الفلسطينيين مليون و39 ألفاً.

عند مراجعة بيانات توزيع السكان، من واقع الأرقام الرسمية الإسرائيلية، تبيَّن أن 80% من اليهود يعيشون في عشرة أقاليم فقط من بين الـ 36 إقليماً في البــلاد، أي أن هؤلاء يقيمون على 12% فقط من مساحة إسرائيل الراهنة، التي تعادل 458.2 كيلو متراً مربعاً.

والملاحظة المثيرة هنا أن هذه المساحة تزيد بمقدار 841 كيلو متراً مربعاً فقط عن مساحة الأراضي التي كان اليهود يمتلكونها أيام الانتداب البريطاني!

هذه المقارنة تكشف أمرين: الأول أن نمط معيشة أعضاء الجماعات اليهودية في الجيتو والالتصاق والتجمُّع لم يتغيَّر، رغم توافر مساحة كبيرة من الأراضي المحتلة. أما الأمر الثاني فهو أن أعضاء الجماعات اليهودية بعد أن أقاموا دولة ظلوا يعملون في المهن التقليدية التي يضطلع بها أعضاء الجماعات اليهودية مثل المال والتجارة والصناعة الدقيقة، وقلة منهم غيَّرت نمط حياتها وأقبلت على الزراعة في مجتمع ريفي.

على العكس من ذلك فإن الفلسطينيين يعيشون في 26 إقليماً من الـ 36، وتتفاوت نسبتهم من مكان إلى آخر، حتى تصل إلى 30% من سكان 17 إقليماً. وقد ساعد على انتشارهم طبيعتهم الزراعية بالدرجة الأولى، فضلاً عن أن الحكم العسكري الذي طُبِّق عليهم في الفترة بين عامي 48 و1967، منعهم من الانتقال إلى المناطق المكتظة بالمستوطنين الصهاينة.

ما دام 80% من المستوطنين الصهاينة يعيشون في 12% من مساحة إسرائيل، فأين يعيش الـ 20% الآخرون؟ ـ تشير البيانات الإحصائية إلى أن معظمهم يعيش في المدن، ولكنها مدن ريفية غير متلاصقة. فهناك 586 ألف مستوطن يقطنون حوالي عشر مدن ريفية. ويبقى 298.600 يهوديّ يعيشون في الريف. وهؤلاء هم الذين ينتفعون بالأرض الفلسطينية.

الأمر المثير الذي تدل عليه هذه الأرقام أن 298 ألفاً و600 مستوطن فقط يفلحون 17 مليوناً و445 ألف دونم من الأرض. وهذه المساحة هي وطن 4 ملايين و646 ألف لاجئ فلسطيني، وأرضهم وإرثهم التاريخي!

إن إسرائيل تعاني من انخفاض الكثافة السكانية اليهودية في الأقاليم الستة الجنوبية، وتكاد تلك الكثافة تكون معدومة في الجنوب. وقد فشـلت المحـاولات الإسرائيلية المكـثفة لنـقل المهاجرين إلى تلك المناطق. وعندما أُجبروا لدى وصولهم على السكن في الشمال والجنوب، فإنهم نزحوا إلى الوسط بعد فترة التأقلم. واستبدلوا بهم مهاجرون جدد لا يعرفون البلاد، ولم يتمكنوا من تحديد أفضليتهم.

إن مناطق الكفاف السكاني في إسرائيل التي تتمدد بين الشمال والجنوب تستـوعب كل العـرب الموجــودين في إسـرائيل، إضافة إلى العشـرين في المائـة من اليهـود الذين يعيشون خــارج منطقة الوســط، كما أنها تســتوعب أيضاً كل اللاجئين العائدين إلى وطنهم.

وعدد هؤلاء جميعاً 6 ملايين ونصف مليون نسمة، نرشح لإقامتهم مساحة قدرها 18 ألفاً و350 كيلو متراً مربعاً، بكثافة 358 شخصاً لكل كيلو متر مربع، وهي كثافة معقولة جداً، أقل من الكثافة السكانية الكلية في 22 إقليماً من أصل 36.

ولن تُشكِّل عودة اللاجئين إلى ديارهم أي نزوح إسرائيلي كبير، رغم أن تصحيح آثار الجريمة التاريخية حق وواجب إنساني. والسبب أن الإسرائيليين فشلوا في أن يجعلوا الزراعة جزءاً مهماً من حياتهم على عكس الفلسطينيين. فالفلاحون اليهود لا يتجاوز عددهم 298 ألف نسمة فقط في مساحة تساوي 85% من مساحة إسرائيل. وهم في تناقُص مستمر، لأن الهجرة العكسية من الأطراف إلى الوسط مستمرة بإطراد، حتى أصبحت الزراعة تشكِّل 3.5% من الناتج القومي في إسرائيل عام 1994، بدلاً من 11% من هذا الناتج عام 1950.

النقد الأساسي الذي يمكن أن يُوجَّه إلى فكرة العودة من وجهة النظر الإسرائيلية، أن ذلك سيؤثر على هوية الدولة اليهودية، وسيخل "بنقاء" المجتمع اليهودي في إسرائيل، وهو نقد غير قانوني وغير أخلاقي، ويعني أن إسرائيل تتمسك بطابع الدولة العنصرية، وعند الاختيار الحقيقي ترفض أن تكون دولة ديموقراطية لكل سكانها. والله اعلم.

  • الثلاثاء PM 12:21
    2021-05-18
  • 1587
Powered by: GateGold