المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411966
يتصفح الموقع حاليا : 281

البحث

البحث

عرض المادة

الســـــلام الشــــامل الـــــدائم

الســـــلام الشــــامل الـــــدائم
Comprehensive Permanent Peace
«السلام الشامل الدائم» عكس «السلام الجزئي» الذي يمكن وصفه بأنه سلام غير دائم مبني على الظلم لا يحاول تحقيق العدل من خلال إعادة صياغة بنية العـلاقات، وإنما هـو مجرد ترجمـة لموازين القـوى القائمة في أرض المعركة. ولذا فإن أحد الطرفين يقبله إذعاناً وليس اقتناعاً ويظل يتحين الفرص لإعادة تعديل موازين القوى لصالحه (الأستاذ هيكل) كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ومعاهدة فرساي. والسلام الجزئي هو سلام مبني على الحرب ولذا فهو في واقع الأمر حالة من اللاحرب واللاسلم قد يختلف عن "وقف إطلاق النار" الذي عادةً ما يستند إلى اتفاقية مؤقتة تتيح للأطراف المتحاربة فرصة لالتقاط الأنفاس وإنجاز أمور إنسانية أساسية مثل قضاء عيد أو السماح بمرور معدات طبية أو مرور بعض الأطفال، ولكنها لا تختلف كثيراً عن "الهدنة" التي تستند إلى اتفاقية لا ترقى إلى مستوى حالة السلام، ولكنها فترة يرى فيها كلا الطرفين (أو أحدهما) أن بإمكانهما الإبقاء على حالة الحرب إلى أن تسنح لهما فرصة لتحقيق انتصار عسكري. أما السلام الشامل الدائم فهو سلام دائم لأنه شامل، يتوجه لجميع القضايا ويهدف إلى تغيير حقيقي في بنية العلاقات بين طرفين لإزالة أسباب التوتر بينهما فيسود العدل ويرى الطرفان أن لهما مصلحة فيه. والسلام الشامل الدائم في الشرق الأوسط لابد أن يتسم بنفس السمات، ولذا فلابد أن يتوجه لكل من المسألة الإسرائيلية والمسألة الفلسطينية ولابد أن يجد حلولاً لهما.


ونحن نذهب إلى أن مثل هذه الحلول غير ممكنة داخل الإطار الصهيوني، الاستيطاني/الإحلالي، فهو إطار يُولِّد الصراع بطبيعته لأنه من ناحية، ينكر حقوق الفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم، ومن ناحية أخرى يؤكد حق "يهود العالم" في الأرض الفلسطينية. والحل الوحيد الممكن يقع خارج هذا الإطار، حين يقوم أعضاء التجمُّع الاستيطاني الصهيوني بنزع الصبغة الصهيونية الاستيطانية/الإحلالية عن الدولة الصهيونية.

وحل المسألة الإسرائيلية يمكن أن يأخذ شكلين متناقضين، ففى حالة ممالك الفرنجة (الممالك الصليبية فى المصطلح الغربى) فى فلسطين وحولها، تم تصفية هذه الممالك بالقوة العسكرية ورحل أهلها إلى بلادهم (بعد أن مكثوا حوالى قرنين من الزمان). ولكن هناك أيضا الحل السلمى، ففى الجزائر، بعد ثورة الميلون شهيد، ظهرت حكومة قومية من سكان البلد الأصيلين وأعطت المستوطنين الفرنسين حق البقاء والمواطنة والإسهام فى بناء الوطن الجديد (ولكنهم آثروا العودة إلى بلدهم الأصلى، أى فرنسا). وهناك كذلك الحل الذى تطرحه جنوب أفريقيا، إذ تم تصفية الجيب الاستيطانى العنصرى دون تصفية جسدية للعناصر البيضاء ذات الأصول الغربية التى كانت تهيمن على النظام القديم وتحافظ على بنية الاستغلال العنصرية وتستفيد منها. ثم عُرض على أعضاء هذه الكتلة البشرية البيضاء أن يندمجوا فى النظام العادل الجديد، المبنى على المساواة بين الأجناس، وأن يتعاونوا معه حتى يمكن الاستفادة منهم ومن خبراتهم. وهذا ما فعله معظمهم. وليس هناك ما يمنع من تطبيق نموذج جنوب أفريقيا فى الانتقال السلمى من حالة الحرب والظلم إلى حاله السلم والعدل فى فلسطين المحتلة، فهو حل لا يستبعد أحدًا ويعطى كل ذى حق حقه. وقرارات هيئة الأمم المتحدة المختلفة ( الخاصة بحق الفلسطينين فى العودة إلى وطنهم ورفض ضـم الأراضى بالقوة) تصلح كإطار دولى قانونى أخـلاقى لحـل المشكلة، وهو إطار تقبل به الجماعة الدولية والمعايير الأخلاقية الإنسانية.

نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية
Dezionization of the Zionist State
ينطلق مفهوم «نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية» من إدراك أن الصراع القائم في الشرق الأوسط الآن ليس نتاج "كُره عميق وأزلي" بين العرب واليهود أو بين اليهود والأغيار، وأنه ليس نتيجة العُقد التاريخية والنفسية (كما يدَّعي الصهاينة)، وإنما هو وضع بنيوي يُولِّد الصراع نشأ عن تطور تاريخي وسياسي وبشري محدد. وطالما ظل هذا الوضع قائماً يظل الصراع قائماً. وأنه لا سبيل لإنهاء الصراع إلا من خلال فك بنية الصراع ذاتها.


وقد يقول البعـض إن هذه مقولات قد عفى عليها الزمن وأن هناك "إسرائيل جديدة" أو "إسرائيل أخرى" غير صهيونية وغير متلهفة على التوسع الصهيوني... إلخ. وردنا على هذا هو أن إسرائيل القديمة لم تكن دولة مثل أية دولة أخرى ولم تكن مجرد شعارات لفظية رنانة، وإنما هي دولة وظيفية استيطانية إحلالية، ثم تحولت إلى دولة استيطانية مبنية على التفرقة اللونية، زُرعت زرعاً في المنطقة العربية لتضطلع بوظيفة محددة (حماية المصالح الغربية) مقابل الدعم الغربي لها وضمان بقائها واستمرارها. فوظيفيتها هي ذاتها استيطانيتها وعنصريتها. وقد عبَّرت إسرائيل القديمة عن نفسها من خلال بنية متكاملة من القوانين العنصرية (قوانين العودة والجنسية) والمفاهيم العدوانية (نظرية الأمن - مفهوم السلام - مفهوم الحكم الذاتي) والمؤسسات الاقتصادية الاستبعادية (الكيبوتس - الصندوق القومي اليهودي) ومؤسسات القمع التي تتمتع بكفاءة عالية (المؤسسة العسكرية الإسرائيلية - الموساد - الشين بيت... إلخ).

ولا يمكن توقع أي سلام في إطار بنية القمع والظلم والعدوان هذه، أي في إطار الدولة الوظيفية الصهيونية الاستيطانية، بينما يمكن أن نتحرك نحو قدر معقول من السلام من خلال نزع الصبغة الصهيونية الاستيطانية عنها. ونزع الصبغة الصهيونية سيؤدي بلا شك إلى فك الجيب الاستيطاني الصهيوني، ومثل هذا الأمر ليس مخيفاً أو فريداً، فجميع الجيوب الاستيطانية الأخرى بلا استثناء قد تم فكها، وانتهت الظاهرة الاستيطانية البغيضة إما برحيل المستوطنين الغزاة الوافدين أو استيعابهم (هم وأبنائهم) في السكان من أصحاب الأرض الأصليين. ونزع الصبغة الصهيونية الذي نقترحه لا يعني إبادة الإسرائيليين أو القضاء على هويتهم الإسرائيلية أو اليهودية (كما يحلو للبعض أن يصور الأمر)، وإنما يعني خلق الإطار القانوني والسياسي، الإنساني والأخلاقي، الذي يزيل أسباب التوتر والصدام.

ولعل ما حدث في جنوب أفريقيا (فك الجيب الاستيطاني بطريقة سلمية بعد أربعة قرون من الظلم والاستغلال والعنصرية والاستعمار الاستيطاني الشرس) يمكن أن يكون نموذجاً يُحتذى، ومؤشراً على ما يمكن أن يحدث في الجيب الاستيطاني الصهيوني. ولعل جوهر نزع الصبغة الصهيونية هو فصل المسألة الإسرائيلية عن المسألة اليهودية، بحيث يرى الإسرائيليون أنفسهم باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المنطقة (وليس كما يقول أبا إيبان: في المنطقة ولكن ليسوا منها).

وعملية نزع الصبغة الصهيونية لا تتم بالضرورة دفعة واحدة وإنما يمكن أن تبدأ بإعلان النوايا واتخاذ خطوات قد تكون رمزية ولكنها ذات دلالة عميقة مثل أن تلغي الدولة الصهيونية قانون العودة و"دستور" الصندوق القومي اليهودي وتوقف بناء المستوطنات وتعلن عن استعدادها للتمسك بالقوانين والمواثيق الدولية وعن "نيتها" تنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة الخاصة بإعادة الفلسطينيين إلى ديارهم والانسحاب من الضفة الغربية. كما يمكن تجاوز الهاجس الأمني وعقلية الحصار عن طريق الإعلان عن نبذ العنف كآلية لحسم الصراع. ويتبع ذلك خطوات أكثر عملية مثل إلغاء الصندوق القومي اليهودي نفسه وفك المستوطنات وتعريف الحدود الدولية للدولة الجديدة وتشكيل لجان للتحقيق في المذابح التي ارتكبت ضد الفلسطينيين لتعويضهم مادياً ومعنوياً. ثم يمكن بعد ذلك أن تبدأ الدولة الجديدة في السماح للفلسطينيين بالعودة إليها والسكنى فيها في إطار مقدرتها الاستيعابية، وهي ولا شك عالية، فإسرائيل الصهيونية الاستيطانية، قد نجحت في استيعاب أكثر من نصف مليون مهاجر يهودي سوفيتي في العشر سنين الأخيرة، رغم أنهم ليسوا من أبناء المنطقة، كما أن مؤهلات بعضهم كانت عالية لدرجة كبيرة لم يكن التجمُّع الصهيوني في حاجة إليها. على عكس الفلسطينيين فهم أبناء المنطقة يعرفونها أرضاً وجواً وبحراً، وأعداد كبيرة منهم تعمل بالفعل داخل الاقتصاد الإسرائيلي وعندهم من المؤهلات والكفاءات ما يسهل عملية استيعابهم. وستكون القدس عن حق هي العاصمة الموحدة والأبدية للدولة الجديدة، وهي دولة متعددة الأديان ولذا فهناك مجال للهوية الدينية اليهودية أن تعبِّر عن نفسها في إطارها. ويتوج كل هذا باندماج الدولة الجديدة في نظام إقليمي نابع من مصالح سكان المنطقة أنفسهم ومن منظوماتهم الحضارية والأخلاقية. وعلى الجانب الفلسطيني لابد من إعلان أن الإسرائيليين ممن وُلدوا ونشأوا في فلسطين بل ومن استوطنوا فيها ويودون أن تكون فلسطين وطناً لهم، لهم حق المواطنة الكاملة في هذه الدولة الجديدة التي تلتزم بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الشعوب والأفراد والتي تضم الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وبهذا يمكن أن يحل إجماع إنساني جديد (إجماع يفسح مجالاً لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين) محل الإجماع الصهيوني البغيض، الاستبعادي العنصري.

وقد يقول قائل إن الإسرائيليين "انتصروا" في كل الحروب مع العرب، ومن ثم على العرب التحلي "بالواقعية" وقبول الشروط الصهيونية، بدلاً من تقديم اقتراحات مستحيلة هي من قبيل الحلم المثالي من شأنها هدم الدولة الصهيونية من أساسها! ساعتها سنقول لهم بالفعل إن اقتراحاتنا تهدف إلى هدم إسرائيل الاستيطانية العنصرية وإفساح المجال أمام الجميع. أما بخصوص هزيمة العرب، فالمقاومة والحمد لله لم تنته وباب الاجتهاد بخصوص الحوار المسلح والجهاد لا يزال مفتوحاً، ولا يوجد أي مبرر لقبول الأمر الواقع باعتباره مطلقاً ونهائياً. والحرب ضد العنصرية هي واجب إنساني لابد أن نشارك فيه كعرب وكمسلمين، ولا يمكن أن نكف عن مقاومة الظلم والظالم إلا بعد أن يكف عن استبعادنا واستعبادنا، والتعالي علينا، واستغلالنا واحتلال أرضنا وهدم منازلنا وضرب آبائنا وأبنائنا.

والحل الذي نطرحه قد يكون بالفعل جذرياً ومثالياً، ولكنه مع هذا قابل للتنفيذ وهو أفضل بكثير من الأمر الواقع والوضع القائم، نتاج حالة الحرب الدائمة أو الراقدة والهدنة المؤقتة، والذي يستند إلى موازين القوى الداروينية، وكل أنواع الأسلحة من السلاح النووي والأبيض إلى الحجارة والعصيان المدني. وهو وضع لم يأت لأحد بالسلام أو الطمأنينة. ولعل تعود الإنسان الحديث على منظر الدماء وإدمانه لصوت المتفجرات وتقبله للعنف والقوة كسبيل وحيد لحسم الصراعات هو السبب الكامن وراء الاستخفاف الذي تُقابل به الحلول الإنسانية الحذرية، ووراء الهرولة نحو محاولات السلام التي تهدف إلى ترجمة الوضع القائم المبني على الحرب إلى وضع سلام دائم، وهو أمر مسـتحيل فهو ضد طبيعة الأشياء، فمثل هذا السلام تقوضه بنية الظلم التي تولِّد التوتر والصراع الدائم.

  • الثلاثاء PM 12:19
    2021-05-18
  • 1612
Powered by: GateGold