المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412581
يتصفح الموقع حاليا : 286

البحث

البحث

عرض المادة

تجميــــع المنفيــــين عــام 1997

تجميــــع المنفيــــين عــام 1997
Ingathering of the Exiles 1997
من الادعاءات الصهيونية الأساسية أن اليهود شعب واحد وأن إسرائيل هي دولتهم. ولكن بعد مرور ما يقرب من مائة عام على الاستيطان الصهيوني وخمسين عاماً على تأسيس الدولة لا تزال الدولة الصهيونية هي دولة أقلية. فيهود العالم لم يهاجروا إليها ولم تنجح في تجميع المنفيين، إذ يبدو أن المنفيين في حالة سعادة غامرة بمنفاهم. ولذا اضطرت الدولة الصهيونية الاستيطانية لحل أزمتها السكانية بأن تلجأ لتهجير الفلاشاه (ويهوديتهم - إن صح تسميتها كذلك - مختلفة عن اليهودية الحاخامية) ثم سمحت بهجرة مئات الآلاف من المهاجرين اليهود السوفييت الذي تعلم مسبقاً أنهم ليسوا يهود أصلاً. والجدول التالي يبيِّن عدد اليهود في إسرائيل والعام منذ تأسيس الدولة حتى عام 1997(بالملايين)


السنة / عدد يهود العالم / إسرائيل / النسبة إلى يهود العالم

1949 / 11 / 0.650 / 6%

1955 / 12 / 1.590 / 13%

1970 / 13 / 2.582 / 20%

1975 / 13 / 2.959 / 23%

1980 / 13 / 3.283 / 25%

1985 / 13 / 3.517 / 27%

1990 / 13 / 3.947 / 30%

1995 / 13 / 4.550 / 35%

1996 / 13 / 4.637 / 36%

المصدر : كتاب الإحصاء السنوي الإسرائيلي لعام 1997.

ملاحظات:

1 - عدد اليهود في العالم ثابت منذ 1970، وهذا يعود إلى الظاهرة المسماة «موت الشعب اليهودي».

2 - هناك زيادة في أعداد اليهود في إسرائيل، ترجع إلى الهجرة بالأساس.

3 - كل زيادة في يهود إسرائيل تعني نقصاً في يهود المناطق الأخرى.

4 - منذ عام 1970 وحتى عام 1990 كانت نسبة التزايد في نسبة يهود إسرائيل إلى يهود العالم تتراوح بين 2 - 3% كل خمس سنوات وهي كالتالي على الترتيب: 70 - 75: 3% - 75 - 80: 2% - 80 - 85: 2% - 85 - 90: 3%. أما الفترة من 90 - 95 فقد كانت نسبة الزيادة 5% بسبب هجرة اليهود السوفييت، أي بمعدل 1% كل عام.

ورغم كل هذه الزيادة تظل إسرائيل عام 1997 دولة أقلية، يرفض المنفيون الهجرة إليها.

جيل ما بعد 1967 (أزمــة الخدمــة العسـكرية(
Post 1967 ceneration (Crisis of Military Service)
مما هو معروف أن الوجود الصهيوني يستند إلى العنف والإرهاب، إذ أنه يهدف إلى التخلص من أصحاب الأرض وإحلال آخرين محلهم. وهي عملية لا يمكن أن تتم بالوسائل السلمية. كما أن الوجود الصهيوني كيان غُرس في المنطقة بسبب دوره القتالي ضد المنطقة العربية. وعلى مستوى من المستويات، يمكن القول بأن المشروع الصهيوني كان يهدف إلى نقل الشنورير أو المتسولين اليهود (وكل الفائض البشري اليهودي) إلى فلسطين وتحويلهم إلى مادة قتالية تخدم المصالح الغربية. وهذا هو أحد أهداف الجيوب الاستيطانية التي أسسها العالم الغربي في آسيا وأفريقيا. ولذا، فإن وجود كل جيب استيطاني يستند إلى قوة عسكرية ضخمة لتطرد السكان الأصليين أو لتقمعهم، ولتنفذ المخطط العسكري الغربي وتحقق الحد الأدنى من الطمأنينة لجماهير المغتصبين من المستوطنين. والقوة العسكرية الصهيونية تنتمي لهذا النمط، وقد أحرزت قدراً لا بأس به من النجاح والشرعية أمام جماهير المستوطنين.


وكانت العسكرية الصهيونية قد نجحت في أن ترسخ في وجدان الإسرائيليين فكرة أن إسرائيل دولة صغيرة تدافع عن نفسها ضد هجمات جيرانها العرب، الأمر الذي أعطى الحروب الصهيونية ضد العرب حتى عام 1967 عقلانيتها ومشروعيتها. ولذا، كان يتم تجنيد الشباب الإسرائيلي بنجاح شديد، عن طريق التوجه إلى حسِّهم الأخلاقي والقومي والديني ورغبتهم في البقاء باعتبار أن الدفاع عن الذات رغبة إنسانية أخلاقية مشروعة.

بل إن الأيديولوجية الصهيونية التي تجعل اليهود شعباً مختاراً بالمعنى الحلولي (الديني والعلماني) وتخلع القداسة على كل ممتلكات الدولة، وبخاصة حدودها، خلعت القداسة على الجيش حتى أنه وُصف بأنه القداسة بعينها. وقد وصف بن جوريون الجيش بأنه خير مفسر للتوراة، فمفسر التوراة هو وحده القادر على تعريف حدود إسرائيل. ومن ثم اكتسبت الخدمة العسكرية قداسة خاصة. إلى جانب هذا كانت الخدمة العسكرية السبيل لدخول النخبة الحاكمة. ففي المجتمع الاستيطاني، لابد أن يدفع الفرد ضريبة الدم فيصبح جديراً بالحكم وصنع القرار. ولذا كان يتم تجنيد الشباب الإسرائيلي بنجاح شديد، عن طريق التوجه إلى حسِّهم الأخلاقي والقومي والديني، ورغبتهم في البقاء، باعتبار أن الدفاع عن الذات رغبة إنسانية أخلاقية مشروعة، وباعتبار أن العرب يهددون البقاء الإسرائيلي نفسه (ولذا قيل، عن صدق، إن كل شعب له جيش إلا في إسرائيل فهو جيش له شعب). ومما دعَّم كل هذه الادعاءات انتصارات إسرائيل المتتالية الحاسمة التي ضمنت للمستوطنين البقاء وتدفق المعونات من الخارج.

وقد ظل هذا هو الوضع السائد حتى عام 1967 حين بدأت المشاكل، وبدأ إيمان المستوطنين الصهاينة بنظرية الأمن الإسرائيلية ومشروعيتها في الاهتزاز. وكان أولها حرب الاستنزاف التي أحس الإسرائيليون خلالها أن عمليات النصر السريعة ليست أمراً متيسراً وسهلاً. ثم جاءت حرب 1973 حين اكتسحت القوات العربية المصرية والسورية خط بارليف والتحصينات العسكرية وألحقت خسائر بالعدو الصهيوني. ثم كان هناك أخيراً حرب لبنان («المستنقع اللبناني»، في المصطلح الإسرائيلي) التي انتهت بهزيمة ساحقـة. وبفشل ملحوظ في تحقيق الهدف الذي كانت تطمح إليه الحملة (القضاء بشكل نهائي على المقاومة الفلسطينية واللبنانية).

ثم شهدت هذه الفترة عمليات فدائية مستمرة لم تتوقف البتة كان آخرها وأهمها وتاجها عملية قبية التي قا بها مواطنان عربيان (أحدهما سوري والآخر تونسي) في 25 نوفمبر 1987 بمناسبة مرور 31 عاماً على مذبحة قبية. فقد استقلا طائرتين شراعيتين فاستُشهد أحدهما في الطريق ولكن نجح الآخر في الهبوط في إحدى المستوطنات الصهيونية فقتل ستة إسرائيليين ثم استُشهد (ولذا كان أحد شعارات الانتفاضة: ستة مقابل واحد). وقد بينت هذه العملية للمستوطنين الصهاينة أن ذاكرة العرب حية وأن ذراع الدولة الصهيونية الاستيطانية العسكرية القوية لا يمكن أن تضعهم في برج حصين ولا أن تقدم لهم الحماية طول الوقت. ثم جاءت انتفاضة الحجارة لتبين مدى عجز العدو عن القيام بالعمليات الجراحية والضربات الإجهاضية التي تسكت الآلام مرة واحدة.

هذا الوضع ولَّد لدى الإسرائيليين إحساساً عميقاً بما يُسمَّى «عقم الانتصار» لأن الحروب المستمرة (التي كان من المفروض في كل واحدة منها أن تنهي كل الحروب) لم تأت لا بالسلام ولا بالنصر. وقد تبين الإسرائيليون أنهم وصلوا إلى ما يمكن تسميته «نقطة الذروة»، أي أنهم وصلوا لأعلى نقط استخدام العنف والقوة دون جدوى.

إضافة إلى هذا أدرك كثير من الشباب الإسرائيلي أن الدولة الصهيونية ليست في حالة دفاع عن النفس كما يقولون وإنما هي دولة عدوانية. ففي حرب لبنان على سبيل المثال أعلنت المؤسسة العسكرية أن الهدف من عملية سلام الجليل هو هدف دفاعي حتمي لوقف ما يسمونه الهجمات الفدائية وتطهير مساحة 67 كيلو متراً مربعاً من لبنان. ثم ظهر أن الهدف الحقيقي كان هو فرض حكومة وظيفية عميلة في لبنان تحت حماية إسرائيل، أي أنها لم تكن حرب خيار فُرضت على المستوطنين وإنما حرب دخلوها بملء إرادتهم. وقد أدَّى هذا إلى تداعي الإجماع القومي الإسرائيلي. كما أن استمرار الاحتلال في الضفة الغربية لما يزيد على عشرين عاماً كان من الصعب الدفاع عنه باعتباره دفاعاً عن النفس.

ومع تراجُع احتمالات الحرب بين العرب والمستوطنين الصهاينة (بعد توقيع شتى معاهدات السلام) أصبح الحديث عن العمليات العسكرية الإسرائيلية باعتبارها دفاعاً عن النفس أمراً مستحيلاً. ولا شك في أن زيادة معدلات العلمنة والعولمة والسعار الاستهلاكي لا تساعد كثيراً على تصعيد روح القتال. كما أن جو الخصخصة العام السائد في إسرائيل يزيد تمركز الفرد حول نفسه ويجعله يضع نفسه قبل المجتمع.

ويمكن هنا أن نورد هذه الواقعة مثالاً لما يحدث للشباب في إسرائيل. يمثل إسرائيل في مهرجان اليوروفيزيون ممثلة تُسمَّى «دانا» ولكن دانا هذه ليست امرأة حقيقية أصلاً، ولكنها كانت في الأصل رجلاً شاذاً من أصل يمني يُسمَّى بارون كوهين ثم أجرى عملية جراحية في لندن تحول بعدها إلى امرأة. وهو/هي شخصية تحظى بشعبية كبيرة غير عادية. وتحول امرأة إلى رجل (والعكس) مسألة تحدث الآن في مجتمعات كثيرة، ولكن حين يتحول الفعل الفردي إلى رمز قومي هنا يجب أن ندرس المسألة باعتبارها قضية اجتماعية وليس سلوكاً فردياً.

وكل هذه الأحداث مرتبطة تمام الارتباط بأهم الظواهر الاحتجاجية، أي انصراف الشباب من المستوطنين الصهاينة عن الخدمة العسكرية بل الفرار منها. وقد صرح وزير الدفاع (السابق) إسحق مردخاي بأن انخفاضاً حاداً طرأ على مستوى الاندفاع والرغبة القتالية في صفوف الشباب الإسرائيلي. ويتحدث الإسرائيليون بقلق عن طبقة من الشبان تُدعى «جيل إم. تي. في.» نسبة إلى قناة تقوم ببث الغناء بشكل متواصل في إسرائيل. وأعضاء هذا الجيل لا يبدون اكتراثاً بالأوضاع العامة للدولة، ويميلون إلى الدعة والراحة. وهذا على كل تعبير عن التوجه الاستهلاكي العام في المجتمعات الصناعية التي يُقال لها «متقدمة». وكما يقول مردخاي: "يعتقد البعض أننا وصلنا مرحلة الراحة، والبعض الآخر يرى أننا يجب ألا نساهم بكل جهودنا في الدفاع عن إسرائيل".

ومما يجدر ذكره أن أعضاء النخبة الجديدة (معظم الإسرائيليين في سن الشباب فمتوسط العمر هو 26.6، وهي بذلك لا تختلف كثيراً عن الدول العربية) وُلدوا بعد إنشاء الدولة ونشأوا بعد عام 1967، أي بعد أن دخلت الدولة الصهيونية المرحلة الفردوسية الاستهلاكية التي لم يَعد مواطنيها مهتمين فيها بالتراكم. ولذا، شهدت القوات العسكرية الإسرائيلية، لأول مرة في تاريخها، ظواهر احتجاجية مختلفة، جديدة عليها كل الجدة، مثل زيادة نزوح أبناء الكيبوتسات، العمود الفقري للمؤسسة العسكرية واحتياطيها الحقيقي. وقد زادت كذلك نسبة النازحين من الضباط والخبراء العسكريين والمهندسين والعاملين في الصناعات الحربية (وبعد توقُّف العمل في مشروع الطائرة لافي).

وكذلك، زادت نسبة تعاطي المخدرات وانتشار الجرائم الجنسية بين أفراد القوات الإسرائيلية والشباب (يُقال إن ثُلث الشباب في إسرائيل يتعاطون المخدرات)، وضعف مستوى الأداء بشكل ملحوظ حتى أنه ورد في أحد تقارير البنتاجون أن 10% من جملة الخسائر أثناء حرب لبنان كان مصدرها الإسرائيليون أنفسهم، وتُعَد هذه نسبة عالية جداً.

وقد لوحظ تخثُّر المادة العسكرية الإسرائيلية فتزايد الفساد والرشوة في صفوف القيادات ووزعت منشورات حول رواتب الضباط تسيء إلى هيبة الجيش. وقد اكتُشفت شبكة كاملة من كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي ممن تلقوا رشاوي ضخمة من جنود الجيش، العاملين في الجنوب اللبناني والاحتياط، مقابل إعفاء هؤلاء الجنود من الخدمة العسكرية. (أشارت صحيفة معاريف إلى أن 15 ضابطاً ومسئولاً، منهم طبيب نفسي كبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية، اشتركوا معاً في إصدار تقارير الإنهاء لأسباب مزيفة لجنود لديهم المال لكنهم يخشون الالتحاق بالخدمة العسكرية). كما يُحقق الآن مع الجنرال مي ميخارام، قائد سلاح البحرية السابق، لاتهامه بالفساد أثناء الخدمة العسكرية في شرائه معدات بحرية. أضف إلى هذا الضباط الذين يسرحون لخفض النفقات وأولئك الذين يمارسون التمييز العنصري ضد الإثيوبيين، والإثيوبيين المجندون الذين ينتحرون.

وفي فترة قريبة كان التطوع في صفوف قوات النخبة (وحدة المظلمين) يعتبر من الأعمال المرموقة. وقد اضطرت هذه القوات في السابق إلى الاعتذارات لعدد من الراغبين بالتطوع لوجود ما يكفيها من العناصر. غير أن الوضع الآن تغيَّر كما يبدو، فكثيرون يستخدمون حيلاً دنيئة للتخلص من الخدمة العسكرية مثل الزعم بمرورهم بأحوال نفسية مضطربة. بلغ عدد الهاربين من الخدمة العسكرية 13 ألفاً، كما أن 18% من الشباب الذين بلغوا سن التجنيد يُستبعدون من الخدمة بسبب أمراض عضوية ونفسية، و15% يُستبعدون لأسباب متنوعة، ويبلغ عدد المعافين لأسباب دينية ما يزيد عن 6%.

وفي إحدى استطلاعات الرأي صرَّح ثلث الشباب الإسرائيلي أنهم إن أتيحت لهم فرصة تحاشي الخدمة العسكرية الإجباربة (التي تستغرق ثلاث سنوات) لفعلوا ذلك. وقد لوحظ تصاعد معدلات الهروب من الشريط المحتل في لبنان. ويعتمد الجيش الإسرائيلي على نظام الاحتياط فيقوم باستدعاء جنود الاحتياط (الذين بلغ عددهم عام 1996 حوالي 429.000) مرة كل عام لمدة شهر حتى سن الخمسين لإعادة تدريبهم (ولذا كان يُقال إن الشعب الإسرائيلي هو جيش في إجازة لمدة إحدى عشر شهر). وقد لوحظ أن حوالي الثُلث يتغيبون. وأثناء الصدام الذي وقع بين الجيش الإسرائيلي وسكان نابلس في سبتمبر 1996 استدعت إحدى فرق الاحتياط الجنود التابعين لها والبالغ عددهم 340، فلم يحضر سوى 60، ولم يبق منهم سوى ثلاثين. وقد رفض أحدهم الذهاب للضفة الغربية (عدد المجندين الذين يرغبون في الخدمة في الأحداث القتالية يتراجع ليصل إلى 5% من عدد المجندين). والأهم من هذا كله أن هناك قبولاً اجتماعياً لهذا الموقف، وهو أمر جديد كل الجدة في التجمع الصهيوني الذي كانت الخدمة العسكرية فيه (حتى نهاية الستينيات) تُعدُّ الشرف الأكبر الذي يمكن أن يحصل عليه المواطن/المستوطن.

أمام هذا الوضع يفضل الجيش الإسرائيلي أن يستبعد مثيري المشاكل ويتركهم وشأنهم حتى لا تُثار القضية وحتى لا يناقشها الرأي العام (من أبطال التهرب من الخدمة العسكرية أفيف جيفين، ابن شقيقة موشي ديان، وهو من أشهر المغنين الشباب في إسرائيل ويُقال إنه يشبه في ملامحه وحركاته مايكل جاكسون. وقد ظهر قبل سنوات في التليفزيون وهو يتحدث عن كيفية حصوله على الإعفاء من الخدمة لأسباب نفسية. وقد انتهى به الأمر إلى الهجرة إلى بريطانيا بعد أن تقدم بطلب مسبب للهجرة ذكر فيه أنه يهاجر بسبب «سرطان الاحتلال»).

إن كل هذه الظواهر تدل على مدى عمق الأزمة الصهيونية، فجيش الدفاع الإسرائيلي هذا، وصورته التي يذيعها عن نفسه، لبنة أساسية في العقد الاجتماعي الصهيوني، وسند أساسي لشرعية الصهيونية سواء في علاقة المجتمع الصهيوني مع نفسه أو علاقته مع العالم الخارجي. واهتزاز الصورة هو اهتزاز الأُسس المهمة للشرعية.

ولكن من المفارقات التي تستحق التسجيل والملاحظة، أن هذا الجيل الجديد الذي يفر من الخدمة العسكرية ولا يكترث بها، هو جيل "أكثر عسكرية" كما يقول أفنيري شاليط (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العسكرية). ففي الأيام الأولى للاستيطان، كما يقول شاليط، كان الشعار السائد هو "فلتطلق النار ثم تذرف الدمع"، فالحرب كانت مفروضة على أبناء الجيل القديم (هكذا كان المستوطنون يظنون)، ولم تكن الحروب حروب اختبار. والحرب، كما كان الجميع يعرف، شيء رهيب. أما أعضاء الجيل الجديد، فقد خاضوا «حروب اختيار» كثيرة (غزو لبنان - قمع الانتفاضة)، أي حروب تمت بملء اختيار الإسرائيليين.

وقد وُلد أعضاء هذا الجيل فيما يُسمَّى «أرض إسرائيل» ولذا فهم يعتقدون تمام الاعتقاد أن الاحتلال بالقوة «مسألة طبيعية» وأن الضفة الغربية ليست أوكيوبايد occupied «أرضاً محتلة» وإنما أرض قومية توراتية ومن ثم هي أرض «متنازع عليها» disputed ديسبيوتيد (كما يقول المصطلح الأمريكي) وعلى اليهود الاحتفاظ بها ولا يحق لهم التنازل عنها أو التفاوض بشأنها. والعرب هنا هم «عرب يهودا والسامرة»، وبالتالي «خرق حقوقهم» لا يشكل مشكلة أخلاقية بالنسبة لهم.

وأعضاء هذا الجيل لا يختلفون كثيراً عن نتنياهو الذي صرح قائلاً: "ليس هناك أي نهر أو بحر يفصل الضفة الغربية عن باقي الأراضي الإسرائيلية. إنها جزء من دولة إسرائيل نفسها. إن الضفة الغربية هي مركز البلاد... إنها فناؤنا الخلفي وليست أرضاً غريبة عنا". بل أضاف قائلاً: "إن المناطق غير المأهولة أو ذات الكثافة السكانية القليلة ستشكل في إطار التسوية الدائمة مناطق أمنية ذات تواصل جغرافي وقرر ضرورة الحفاظ على ممرات أمنية وطرق تربط المستوطنات بعضها ببعض". واستخدام الصور المجازية المكانية يدل على ضمور الإحساس بالزمان والتاريخ عند نتنياهو (وهو في هذا لا يختلف عن أبناء جيله) الذين لا يرون إلا الأرض وأمن إسرائيل ولا يدركون الماضي أو المستقبل أو العرب من حولهم.

ومن خصائص هذا الجيل أن أعضاءه لم يشعروا قط بالعداء للسامية، أي بالعداء لليهود (ومع هذا فهم جيل أكثر ميلاً لليمين). وقد نُشر مقارنة بين الشباب الألمان والشباب الإسرائيلي، وتبين أن الشباب الإسرائيلي أكثر عنصرية تجاه الأجانب من الألمان، وهم لا يهتمون بما يُسمَّى «عقلية المنفى» بل لا يفهمون يهود المنفى (أي يهود العالم) ولا يفهمون لغتهم أو خطابهم أو شكواهم. والمفارقة الناجمة عن هذا أن كثيراً من القضايا التي تهم يهود المنفى لا تهم أعضاء هذا الجيل من قريب أو بعيد. فهم لا يكترثون باليهودية أو هيمنة الأرثوذكس على أمور الدفن والطلاق والزواج والتهويد (فهم علمانيون شاملون عالميون، لا يهتمون بالقضايا المحلية ولا يكترثون بمثل هذه الأمور)

 

وقد اتهم نتنياهو اليساريين بأنهم نسوا "معنى أن يكون المرء يهودياً" (عبارة همس بها رئيس الوزراء في أُذن أحد الحاخامات). ولكن هل يعرف جيل نتنياهو معنى اليهودية؟ هل تعني اليهودية شيئاً له؟ إن تصور أن التجمُّع الصهيوني أصبح «أكثر يهودية» و«أكثر تقليدية» بظهور نتنياهو، هو - في رأينا - تصور خاطئ. فهو في واقع الأمر قد أصبح «أكثر انغلاقاً» دون أن يصبح أكثر تقليدية أو تديناً، والربط بين الواحد والآخر ليس بالضرورة له قيمة تفسيرية كبيرة. فما يحدث في التجمع الصهيوني، ليس محاولة للعودة للتقاليد بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هي محاولة أعضاء هذا التجمُّع أن يجدوا جذوراً لهم «روتس roots» تبرر لهم وجودهم، وأرضية صلبة يمكنهم الوقوف عليها (وهو أمر شائع في كل المجتمعات الاستيطانية). ولذا قال كثير من المعلقين إن انتخابات 1996 لم تكن انتخابات خاصة بـ «المصالح السياسية» (الاجتماعية والاقتصادية) وإنما كانت انتخابات خاصة بالهوية (وهو قول قد لا نتفق معه، ولكننا نقتبسه بسبب دلالته).

  • الثلاثاء AM 11:56
    2021-05-18
  • 1438
Powered by: GateGold