المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412357
يتصفح الموقع حاليا : 365

البحث

البحث

عرض المادة

مشــروع إسـرائيل الاقتصادي للشـرق الأوســط

مشــروع إسـرائيل الاقتصادي للشـرق الأوســط
Israel's Economic project for the Middle East
يتميَّز كتاب شيمون بيريز الشرق الأوسط الجديد الذي صدر في أواخر عام 1993 بعد توقيع إعلان المبادئ (غزة ـ أريحا) بأنه يمثل وجهة نظر رسمية، وقد قدَّم فيه ملخصاً لما جاء في هذا الكتاب في خطابه أمام الأمم المتحدة (28 سبتمبر 1993)، بصفته ممثلاً لحكومة إسرائيل. وما طرحه شيمون بيريز لم يكن موجَّهاً إلى حكام العرب ومثقفيهم وحسب، ولكنه موجَّه كذلك إلى الرأي العام الغربي وإلى الصهاينة. فهناك بالفعل تغيُّر في المفاهيم وأشكال العمل تدعو لها حكومة إسرائيل، ويجب أن يدركها الجميع. لابد من ترشيد استخدام القوة وفقاً لما طرأ عالمياً وإقليمياً وداخل إسرائيل.


وقد لخص بيريز تحليله لهذه المتغيرات في: الصحوة الإسلامية، وظهور الصواريخ، والقذائف النووية والكيميائية:

1 ـ بالنسبة للنهضة الإسلامية، يُحذِّر بيريز من الخطر الذي تمثله على إسرائيل وعلى العالم كله! فيقول: "إننا نشهد الآن نهضة إسلامية، وهي تتميَّز حالياً بمعارضة قيم الغرب وحضارته، وبالتراجع عن الحياة الحديثة، وبدعوة لاستخدام القوة لإقامة جمهورية إسلامية أتوقراطية ومستبدة". ثم يضيف: "إن الحركة الإسلامية تتلقى توجيهات وأمولاً من الخارج... إن خطرها يمتد من مصر والسودان إلى تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى".

وهو يطلب من أنظمة الحكم العربية أن تقف مع إسرائيل في هذه الحرب ضد الصحوة الإسلامية، على أساس أن عداء هذه الصحوة لأنظمة الحكم أكبر من عدائها لإسرائيل. وما دام الاثنان يهددهما الخطر نفسه، إذن لابد من تعاونهما. وهو حين يتكلم عن خطورة الدول الإسلامية المجاهدة والمعادية لإسرائيل، نراه يضع إيران إلى جانب العراق وليبيا في سلة واحدة. والتهديد الذي تواجهه إسرائيل يصبح وخيماً ـ كما يقول ـ إذا تمكنت إحدى هذه الدول من امتلاك قوة نووية.

إن الصحوة الإسلامية ـ حسب تصوُّره ـ تهدِّد السلام والاستقرار في كل المنطقة. فبعد تحطيم الشيوعية ـ كما يقول ـ بقي الإسلام وحده يروِّج لمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". فمن أجل إنجاز هدفه الثوري في إقامة مملكة الله، يجوز للفرد أن يرشو أو يسرق أو يقتل (!) ولكنه يختم كلامه هذا بقولة: "إن الإسلام يضمن لمقاتليه الجنة. فيندفعون للتضحية بحياتهم في هذه الدنيا طمعاً في ثواب الآخرة".

2 ـ بالنسبة للصواريخ والأسلحة غير التقليدية، يقول بيريز: "إن الإستراتيجية العسكرية التقليدية قامت على ثلاثة أبعاد: الوقت ـ المساحة ـ كمية السلاح. ولكن التكنولوجيا العسكرية الحديثة هزت كل هذه العناصر، فما أهمية الوقت اللازم للاستعداد إذا كان الصاروخ أرض ـ أرض ينطلق من واشنطن إلى موسكو فيما لا يزيد عن ست دقائق؟ وما قيمة الموانع الطبيعية (جبالاً أو أنهاراً أو صحاري) إذا كانت الصواريخ تتجاوز كل هذا نحو أهدافها المحددة؟ ما الميزة التي يعطيها في هذه الحالة امتـلاك مئـات من الدبابات أو المدافع أو الطائرات؟".

إن هذه المتغيرات تتطلب تعديلاً في المفاهيم الإستراتيجية لدى إسرائيل. من ذلك مثلاً ـ كما يقول بيريز ـ أن يُقللوا قيمة المناطق المحتلة [وإن كان هذا لا يعني الانسحاب منها!]. وإذا كانت التكنولوجيا العسكرية ذات تكلفة مالية تتسم بالارتفاع الشديد، والقدرة التدميرية المهولة، فلابد من تجنُّب هذا حتى لو كانت النتيجة النهائية نصراً في الميدان. ويجب أن يضمن ذلك برنامج لنزع السلاح، وبخاصة الأسلحة غير التقليدية.

وتقضي الترتيبات الإسرائيلية، في هذا الصدد، بإقامة مراكز للإنذار المبكر ترسل تقاريرها إلى إسرائيل عند أيِّ تحرك مشبوه (كما في سيناء). وإضافة إلى هذا لابد من رقابة منظمة من خلال بعثات تفتيشية ومن خلال الأقمار الصناعية، وتشمل الرقابة مراكز الأبحاث والتطوير التكنولوجي، وأخيراً لابد من إنشاء تشكيلات عسكرية قادرة على الرد المباشر في حالة أيِّ عدوان. [أي إذا زاد الظلم على بلد عربي وأراد أن يدافع عن نفسه، تصدت له إسرائيل وحلفاؤها من الدول العربية الأخرى!]. وبيريز يؤكد هذا في حالة ما إذا ثبت أن إحدى الدول تسعى للحصول على أسلحة غير تقليدية، فإذا كان مطلوباً أن يُقام نظام دولي للدفاع ضد هذا الخطر "لأن الحركة الإسلامية لها مخططات تهدد كل أنحاء الأرض!"، فأهم من هذا أن ينشأ تحالف إقليمي سياسي له سلطة التصرف والضرب "فهذا وحده الذي يضمن إنقاذ الشرق الأوسط من اللقاء المميت بين القوة النووية والإسلام!".

ولم يذكر بيريز أية كلمة عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، أو عن خفض أسلحتهم التقليدية، بل قال إن كل شيء في هذا المجال سيبقى على حاله، وكل الدراسات الإسرائيلية تؤكد هذا على أية حال.

رغم كل هذا يرى بيريز أن المستقبل مقلق وغير مضمون إذا لم تنتهز إسرائيل اللحظة الحالية، التي تحتكر فيها التفوق العسكري وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وإذا لم تنتهز فرصة وجود أنظمة حكم عميلة أو متعاونة. إذا كان المطلوب فرض الاستسلام على العدو، فإن شن حرب شاملة تحقِّق هذا الغرض الآن مستحيل، وبالتالي فإن الحرب تعني مجرد سقوط ضحايا بدون مقابل. والحل أن يُستفاد من التفوق العسكري الحالي في التخويف، وفي تحقيق السيطرة وإجهاض الصحوة الإسلامية بغير قتال ساخن، وبالتعاون مع النظم العربية الحليفة.

في هذا الإطار قدَّم بيريز ملامح «الشرق الأوسط الجديد»، فرسم في الكتاب صورة وردية تبيِّض وجه الحكام الذين يقبلون التعاون مع الصهاينة لتدمير قدراتنا الدفاعية ولحرب الإسلام.

ويتحدث بيريز في سبعة فصول عن:

ـ المشاريع المشتركة في المياه: عن إعادة توزيعها وحُسن استثمارها (بفضل الخبرة الصهيونية).

ـ الزراعة، والتفوق التكنولوجي الساحق لإسرائيل في هذا المجال. وأشاد بالمشروعات المشتركة الناجحة مع مصر. وقال إن العرب ينبغي ألا يحرموا أنفسهم من نعمة التعاون الزراعي مع إسرائيل حتى تتم التسويات السياسية.

ومعروف أن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي الساحق في مجال الزراعة أسطورة سخيفة، ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً يظل السؤال مشروعاً ومن وجهة النظر الاقتصادية البحتة: أيهما أجدى وأيسر بالنسبة لنا أن نتعاون لتأمين الغذاء المصري والعربي مع السودان والعراق، أم مع إسرائيل؟

ـ السكك الحديدية والطرق والمطارات والموانئ (وإقامة مناطق حرة حول هذه الموانئ). وقد أفاض المسئول الإسرائيلي في شرح الرواج والتقدم الاقتصادي الذي يترتب على هذه المشروعات. ولكن يُلاحَظ أن كل المشروعات التي اقترحها في هذا الشأن تجعل إسرائيل عاصمة الشرق الأوسط، وكل مشروعات الطرق والمطارات والموانئ التي لا تحقق هذا، أي تلك التي تربط البلاد العربية بعضها ببعض، أو تربطها بالخارج مباشرةً دون مرور على إسرائيل، كل البنى التحتية التي من هذا القبيل أُسقطت من الحساب والإعداد.

وإضافة إلى هذا اقترح بيريز أن تُقام مؤسسات إقليمية (تحتل إسـرائيل فيهـا الصدارة) لتتـولى إدارة المطارات والموانئ والطرق المقترحة، أي أن هذه المشروعات الحيوية ستنتزع السيطرة عليها من قبَل الدول العربية! وهو لم يُدخل مصر على أية حال في سلسلة المشروعات هذه، لمجرد تأكيد عزلها عما يجري في دول المشرق.
ـ بقيت السياحة، ويقول بيريز عنها إنها ستجلب الرخاء العظيم في زعمه، وهو يطلب من أجلها فتح الحدود بلا ضوابط، ويطالب بتنظيم إقليمي لحركتها، يجلب السياح ويحدد حصص الدول المختلفة منهم، وإذا كان هذا التنظيم خاضعاً لهم، فإنهم يضمنون لأنفسهم طبعاً نصيب الأسد، إضافة إلى أنهم يتحكمون في أرزاق الأطراف الأخرى حسبما يرون.

ولم ينس الكتاب طبعاً أن يُبشِّر بأن التمويل جاهز لكل المشروعات التي اقترحها بفضل الوساطة الإسرائيلية، فبيريز نفسه ـ كما يقول ـ حصل على وعود بمساعدات كبيرة من الجماعة الأوربية واليابان ومن البنك الدولي، إضافة إلى الشركات الدولية العملاقة التي ستندفع للاستثمار في مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وكل الأموال والخبرات تأتي عبر القنوات الإسرائيلية.

وثمة أسئلة ونقاط كثيرة التزم بيريز الصمت تجاهها نذكر منها ما يلي:

1 ـ لم يشر بيريز إلى قطاع الصناعة وهو يتكلم عن «الشرق الأوسط الجديد»؟ فهل يكتمل حديث عن مستقبل المنطقة وعن تكاملها بدون شرح دور الصناعة؟ وإذا لم يكن إهمال الصناعة على سبيل السهو والخطأ، فهل هناك سبب آخر إلا الخوف من انكشاف الصورة البشعة التي تكتب عنها الدراسات الإسرائيلية الأخرى؟ هل هناك سبب إلا أن الحكومة الإسرائيلية لا ترىد أن تعترف رسمياً بأنها تستهدف تقسيماً للعمل يفرض التخلف التكنولوجي على العرب ويجعل الصناعات الجديدة حكراً على إسرائيل، فتتبدَّد الأحلام الوردية التي أراد بيريز أن يبيعها؟

2 ـ لم يشر بيريز بكلمة إلى "المتطرفين الصهاينة". لقد هاجم الإسلام "والأصولية الإسلامية"، باعتبارها إرهابية تنشر الخرافة وتعادي العلم، وإذا كان بقوله هذا يبدو علمانياً يخاطب العلمانيين العرب، فهل لم يجد شيئاً مما يهاجمنا به قائماً بين قومه؟ وإذا كان لا يعترف بضلال العقائد الفاسدة التي تسود التجمُّعات الصهيونية، ألا يقضي هذا على أية مصداقية لحديثه عن «الشرق الأوسط الجديد» الخالي من الأحقاد والصراع؟

3 ـ ثمة تخطيط واضح لتفكيك الأمة العربية. لقد كشف بيريز في هذا الكتاب (الذي هو تقرير رسمي من الحكومة الإسرائيلية) أنهم توصلوا إلى اتفاق مع الجماعة الأوربية يفصل دول المغرب العربي عن دول المشرق، فتلحق المجموعة الأولى بأوربا، بينما تكون يد إسرائيل هي العليا بين دول المشرق. وفضلاً عن هذا فإن المشروع الإسرائيلي يستبعد من جنته ليبيا والسودان والعراق، ولبنان أيضاً إذا لم تتخلص من علاقتها الخاصة مع سوريا.

4 ـ يعترف صاحب نظرية السوق الشرق أوسطية بأن فلسطين قلب الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن كسب العرب إلى مشروع المستقبل إذا لم يحدث حل مُرض لقضية الفلسطينيين. وهو يرى ـ كما أوضحنا ـ أن التغيير في وسائل القتال قلَّل أهمية استمرار الاحتلال التقليدي للضفة الغربية من أجل تأمين إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك فإن قطاع غزة بوضعه الحالي مركز دائم للثورة، ويقول بيريز إننا لا يمكن أن نفعل في غزة ما سبق أن فعله شمشون حين حطَّم معبدها فوق رأسه ورأس من فيه. ولكن هل خرج الصهاينة من ذلك كله بضرورة الانسحاب وإقامة دولة؟ كلا، فالمستوطنات المسلحة يستحيل تصفيتها ـ كما يقول بيريز ـ وإلا قامت حرب أهلية داخل إسرائيل. وإذا كانت هذه المستوطنات تجعل ما بقي من أرض للعرب أشبه بالجزر المنعزلة عن بعضها البعض، وإذا كانت السيطرة على هذه الجزر تظل في يد إسرائيل تحت قناع إدارة الحكم الذاتي الفلسطينية، فإن بيريز يضيف الحدود "المطاطية الطرية" لأي كيان فلسطيني، ولذا لا معنى لتعيين حدود ثابتة مع الأردن أو مع إسرائيل، تقيد الدخول أو الخروج إلى المناطق العربية فيما بقي من غزة والضفة الغربية.

باختصار، إنهم يرون علاج المشكلة الفلسطينية (التي هي قلب الصراع) من خلال تصفيتها عملياً، وليس من خلال إيجاد أيِّ تنازل معقول فيها. ومع ذلك، فحتى هذه الأفكار الغريبة التي أوردها بيريز تعتبر عظيمة بالنسبة لما يجري الآن، فغني عن البيان أن اتفاق غزة أريحا أثار السخرية المرة، وكان يقل كثيراً عما كتبه بيريز. ومع ذلك، فحتى هذا الاتفاق لم يكن ينفذ حين كان بيريز يتحدث عن ضرورة الانطلاق نحو «الشرق الأوسط الجديد» باعتبار أن المشكلة الجوهرية (المشكلة الفلسطينية) قد حُلت فعلاً!

5 ـ ومشروع بيريز للشرق الأوسط الجديد يُركِّز في مرحلته الأولى على محور إسرائيل ـ الأردن ـ وما بقي من فلسطين. وقد نص اتفاق غزة ـ أريحا على هذا الأمر بصراحة. وبيريز وصف هذا المحور بأنه مثل مجموعة "بينولوكس"، أي مجموعة بلجيكا ـ هولندا ـ لوكسمبورج.

ولكن العلاقة الحميمة بين دول بينولوكس قائمة على الندية، فهل هناك أيّ قدر من الندية بين إسرائيل وبين الطرفين العربيين الآخرين؟ ألا تقوم العلاقة الخاصة التي تدعو لها إسرائيل على أساس الاحتلال العسكري والسيطرة؟ هل يملك الفلسطينيون بعد "خبزهم وعجنهم" وتهشيم مؤسـساتهم أن يبـدوا أي اعـتراض على قرار إسرائيلي؟

6 ـ ثم أين البترول في مخطط «الشرق الأوسط الجديد»؟ يلفت النظر أن الكتاب لم يكد يذكر البترول. وحتى الفصل الذي تكلَّم عن أهمية الشرق الأوسط التاريخية لم تُذكَر فيه الأهمية الإستراتيجية المعاصرة للبترول العربي الإسلامي. وهذا التجاهل المتعمد قد يقصد رفع الحرج عن دول الخليج صاحبة العلاقة الوثيقة مع الترتيبات التي كانت مقدَّمة للشرق الأوسط الجديد، ولكن التجاهل لا ينفي بالقطع أن الدور الإسرائيلي في حماية المصالح الأمريكية البترولية جزء لا يتجزأ من ترتيبات «الشرق الأوسط الجديد»، وهو لا ينفي كذلك تخطيط الصهاينة لكي يتولوا إدارة أموال النفط.

7 ـ ويجرنا هذا إلى الملاحظة الجوهرية حول علاقة الترتيبات الحالية بهدف تحقيق الهيمنة الصهيونية على المنطقة (إسرائيل الكبرى). كيف عالج بيريز هذه القضية؟ في أكثر من موضع قال بيريز: إن إسرائيل كانت دائماً ضد التوسع واحتلال أراضي الغير. والعلاقات الاقتصادية إذا لم تقم على التكافؤ فإن مصيرها الدمار. وأنقل هنا ما قاله أمام الأمم المتحدة (سبتمبر 1993): "أعلم أن هناك شكاً في أن الإشارة إلى سوق مشتركة في الشرق الأوسط، وإعلان إسهام إسرائيل فيها، قد يعني محاولة للحصول على مزايا أو فرض سيطرة. وأود أن أقول بكل إخلاص وبأعلى صوت إننا لم نتخل عن احتلال الأراضي لكي نمارس سيطرة اقتصادية. وقد أقول ـ باعتباري يهودياً ـ إن فضيلة تاريخنا ـ منذ عصر إبراهيم ووصايا موسى ـ قامت على معارضة متصلة عنيدة لأي احتلال، ولأية سيطرة أو تفرقة عنصرية".

وأرجو ألا يندهش القارئ، فقد كتب بيريز أيضاً في كتابه "أن إسرائيل لم تبدأ في تاريخها أية مواجهات عسكرية. إن مصر وسوريا ولبنان والأردن ـ وحتى العراق التي لا توجد لها حدود مشتركة مع إسرائيل ـ هي التي أعلنت علينا الحرب، وكان هذا هو السبب الأوحد والحقيقي لكل حروبنا الرهيبة".

هل كانت حروبنا نحن ضد الغزو الصهيوني المسلح لفلسطين دفاعاً عن النفس أو هجوماً؟ وهل كان الغزو الصهيوني لسيناء عام 1956 حرباً دفاعية أو سعياً عدوانياً للتوسع في أرض مصر؟ وهل كانت حرب 1967 توسعاً صهيونياً في أرض العرب أو ماذا؟ وهل كانت حرب 1973 من أجل فلسطين وحدها أو دفاعاً في الأساس عن الأراضي المحتلة في مصر وسوريا؟

على أية حال، قد تكون مقاصد الصهاينة حول الشرق الأوسط الجديد أكثر وضوحاً إذا اعتبرنا الترتيبات الخاصة مع الأرض والكيان الفلسطيني الهلامي نموذجاً لعلاقات المستقبل. ويمكن أن نكتفي هنا بقصة القناة بين البحرين الأبيض والميت. هذه القناة تؤدي إلى تبوير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية على ضفتي نهر الأردن، الأمر الذي قد يهدد المنشآت الصناعية العربية في تلك المواقع، كما يؤدي إلى خفض نسبة المعادن في البحر الميت، ويؤثر على استخراج الملح منه وعلى مشاريع أردنية حيوية مثل استخراج البوتاس والنحاس والكبريت. وإلى جانب هذا فإن زيادة ضخ الماء من المتوسط (الأعلى سطحاً) إلى الميت (الأقل منسوباً) ستؤدي إلى زيادة الضغط على قاعه، وهو ما يسميه الجيولوجيون «الضغط العمودي». ويعني هذا خلخلة ديناميكية ربما ولَّدت هزات أو انكسارات أرضية أو انفجارات بركانية، حيث يقع البحر الميت في منطقة قشرتها الأرضية مضغوطة وتُسمَّى «الأخدود الانهدامي الكبير».

ومعروف أن إسرائيل حاولت في الماضي أن تستفيد من احتلالها الضفة الغربية لكي تشرع في تنفيذ مشروعها، فتصدت لها الجامعة العربية والوفود العربية في الأمم المتحدة حتى طالبت الجمعية العامة بالتوقف فوراً عن تنفيذ المشروع، لأنه إذا اكتمل سيُلحق بحقوق الشعب الفلسطيني والأردني ومصالحهما الحيوية المشروعة أضراراً مباشرة لا سبيل إلى إصلاحها. وفي الأعوام 1982 و1983 و1984 اتخذت الجمعية العامة الموقف نفسه.

ثم فجأة صدر اتفاق غزة ـ أريحا، ونص في الملحق الرابع على إنشاء قناة البحر الأبيض (غزة)، البحر الميت. رغم كل ما رآه في السابق الخبراء العرب وصدقته الجمعية العامة للأمم المتحدة. هل كان ممكناً أن ينص الاتفاق على هذا المشروع لو كانت العلاقة ندية بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين؟ أو إذا كانت القرارات تصدر بالتراضي لتحقيق المصالح المشتركة؟

هذا مثال محدد وصارخ لمدى تحكُّم إسرائيل في المشروعات والترتيبات وفقاً لما يحقق مصالحها. أضف إليه ما أشرنا إليه سالفاً في حديثنا عن احتكارها القوة العسكرية، ومشروعاتها في المرافق التحتية وفي الزراعة والري والسياحة (ودعك من الصناعة) لنرى مدى الكذب في حديث بيريز عن أن اليهود يرفضون العدوان والسيطرة على مقدرات الغير كموقف تقليدي.

8 ـ والتساؤل الأخير: أين أمريكا؟ لقد أخفى بيريز تماماً طبيعة الدور الأمريكي في الترتيبات، ولم يذكر بكلمة هدف التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه المرحلة. وحتى حين تكلَّم عن المساعدات المتوقعة من دول العالم المختلفة لم يأت ذكر أمريكا وإسهامها. وواقع الحال أن بيريز أراد أن يجمل مشروعه بحيث يبدو كل ما يجري مجرد ترتيبات صادرة بإرادة محلية ومن دول المنطقة دون دعم مباشر من قوة كبرى خارجية، ولكن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، فالولايات المتحدة هي دولة الوصاية التي تفرض سلطانها وقراراتها على ما يُسمَّى «سوق الشرق الأوسط».

  • الثلاثاء AM 10:52
    2021-05-18
  • 1201
Powered by: GateGold