المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413595
يتصفح الموقع حاليا : 189

البحث

البحث

عرض المادة

الاقتصاد الإسرائيلي عام 1997

الاقتصاد الإسرائيلي عام 1997
Israeli Economy 1997
يمثل عام 1997 نقطة تحول أساسية في الأداء الاقتصادي الإسرائيلي. فبعد فترة الانتعاش التي شهدها الاقتصاد الإسرائيلي خلال النصف الأول من التسعينيات، تراجعت معدلات النمو بشكل حاد لتبلغ 2.5% عام 1997، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة لتصبح 12% و8% على التوالي، الأمر الذي يهدد بعودة حالة التضخم الركودي Stagflation التي عاشتها إسرائيل منذ منتصف السبعينيات، ويطرح - من ناحية أخرى - التساؤل حول أسباب هذه الأزمة، ومدى قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تجاوزها في المدى القريب.


ولا يمكن في الواقع إدراك أبعاد هذه الأزمة إلا في إطار خاصيتين أساسيتين حكمتا أداء الاقتصاد الإسرائيلي عبر مراحل تطوره المختلفة منذ إنشاء الدولة. ويمكن إجمالهما فيما يلي:

1 - هيمنة الأيديولوجيا على الاقتصاد وإعطاء الاعتبارات المتعلقة باستيعاب المهاجرين وبناء الدولة أولوية عن الاعتبارات الاقتصادية المحضة. كل هذا يفسِّر من ناحية التضخم المفرط في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية الأساسية اللازمة لاستيعاب المهاجرين والاستيطان خلال مرحلة النمو السريع للاقتصاد الإسرائيلي (1954 - 1973)، ويفسِّر من ناحية أخرى عجز حكومة الليكود الأولى عن خفض العجز في الميزانية نظراً لتزايد الإنفاق الحكومي لتمويل النشاط الاستيطاني، ثم الحرب في لبنان.

كما تظهر هذه المشكلة بجلاء في التناقضات التي تحتويها عناصر الأجندة الاقتصادية للائتلاف الحاكم، وما تعهد به من الاستمرار في الاستيطان، وعدم المساس بمخصصات التعليم ومخصصات المعاشات في الوقت الذي سيتم فيه خفض الضرائب وتقليص العجز في الموازنة العامة. ومن الواضح أن تنفيذ هذه التعهدات التي تعني زيادة النفقات العامة وخفض الإيرادات العامة في وقت واحد وهو أمر مستحيل من الناحية العملية. كل هذا يعكس تخبط الائتلاف الحاكم بين الاعتبارات الاقتصادية التي تحتم خفض العجز في الموازنة وبين الاعتبارات السياسية ومطالب الأحزاب الأعضاء في الائتلاف.

2 - ارتبطت فترات النمو في الاقتصاد الإسرائيلي بالأساس ببتدفقات البشر (عن طريق الهجرة) والأموال (عن طريق المعونة)، أو العمل ورأس المال بالتعبير الاقتصادي من الخارج، فيرى الاقتصادي الإسرائيلي يورام بن بورات أن 75% من النمو الذي شهده الاقتصاد الإسرائيلي تم بفضل المعدلات المرتفعة لنمو عوامل الإنتاج (رأس المال والعمل) و25% منه فقط بسبب التحسن في الكفاءة الإنتاجية.

ويفسِّر ذلك نجاح إسرائيل في تنفيذ استثمارات ضخمة على الرغم من وجود إدخار محلي سالب في أغلب الفترات، فقد كانت التدفقات الخارجية للمساعدات هي الوسيلة الأساسية لسد الفجوة بين الاستثمار والإدخار، وهي التي مكَّنت إسرائيل من تحقيق مستوى معيشي مرتفع على الرغم من المعدلات المرتفعة لتزايد السكان - بفعل الهجرة - والزيادة المطردة في الإنفاق العسكري.

ومن ناحية أخرى - وبنفس المنطق - فقد كانت الهجرة الكبيرة لليهود من الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، وضمانات القروض التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة لتوطينهم هي المحرك الرئيسي للنمو الذي شهدته إسرائيل منذ أوائل التسعينيات، والذي انتشلها بشكل مؤقت من حالة الركود التضخمي التي كانت تسيطر عليها.

فمع بداية التسعينيات، نجح الاقتصاد الإسرائيلي في تحقيق واحداً من أعلى معدلات النمو في العالم في هذه الفترة، حيث بلغ في المتوسط 5.5% خلال الفترة من 1990 - 1996، ويرجع هذا النمو بالأساس - كما هو الحال في فترات النمو السابقة التي شهدها الاقتصاد الإسرائيلي - إلى النمو في عوامل الإنتاج (العمل ورأس المال). فبالنسبة للعمل، شهدت هذه الفترة آخر موجات الهجرة الكبيرة التي تدفقت على إسرائيل، الأمر الذي ساهم في تنشيط الطلب على العديد من السلع والخدمات (مثل السلع المعمرة والإسكان)، وأعطت دفعة كبيرة لقطاع البناء الذي نما بمعدلات متسارعة.

وعلى صعيد رؤوس الأموال، فقد اعتمدت إسرائيل في البداية على ضمانات قروض الإسكان التي قدمتها حكومة الرئيس الأمريكي بوش (10 مليار دولار) لتوطين المهاجرين، ومنذ عام 1994، انعكس التقدم في عملية السلام على زيادة قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI والتي تجاوزت لأول مرة في تاريخ إسرائيل المليار دولار عام 1995.

كما اقترنت هذه الفترة من النمو أيضاً بتضخم الإنفاق الحكومي للمساعدة على استيعاب المهاجرين من ناحية، ثم في فترة لاحقة لاعتبارات انتخابية، فقد قام إفرايم شوحاط وزير المالية في حكومة حزب العمل بزيادة الإنفاق على الرواتب والتأمينات الاجتماعية والمعاشات للعاملين سعياً لاجتذاب أصواتهم في انتخابات عام 1996، كما تعهدت حكومة حزب العمل بعدم المساس بالمخصصات المالية للمعاشات.

وهكذا جاءت حكومة الليكود الحالية لتحصد ثمار الأداء الاقتصادي لحكومة العمل، والتي تتمثل في ارتفاع عجز الموازنة، وزيادة معدلات التخضم (12% عام 1997) نتيجة للتوسع في الإنفاق الحكومي، في الوقت الذي كانت فيه معدلات الهجرة تتراجع ومعها معدلات النمو التي بلغت 2.5% عام 1997، كما زادت نسبة البطالة إلى 7.6% عام 1996 ثم 8% عام 1997، وانخفضت معدلات الاستثمار بنسبة 9% خلال عام 1997، وتراجعت الواردات من السلع الرأسمالية (لتعكس توقعات رجال الأعمال السلبية حول احتمالات عودة الانتعاش الاقتصادي)، الأمر الذي هدَّد بعودة حالة التضخم الركودي التي شهدتها إسرائيل منذ منتصف السبعينيات.

والواقع أن الليكود واليمين الإسرائيل يتبنيان تقليدياً برنامجاً اقتصادياً محافظاً يركز على خفض عجز الموازنة والميزان التجاري، بل إن أول حكومة ليكودية في تاريخ إسرائيل وصلت إلى السلطة كما سبق أن أشرنا في أعقاب فترة التضخم الركودي التي شهدتها إسرائيل بعد عام 1973.ويتميَّز برنامج الحكومة الحالية بتركيزه على إحداث تغيير جذري في بنية الاقتصاد الإسرائيلي يشمل تغيير تركيبة الأجور، وزيادة المنافسة في الأسواق، وتطوير سوق رأس المال، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والصناعات التصديرية، الأمر الذي لا يتم - من وجهة نظر الحكومة الحالية - إلا بتقليص حجم القطاع الحكومي ودور الحكومة في النشاط الاقتصادي وخصخصة الشركات المملوكة ملكية عامة.

وقد شكَّل بنيامين نتنياهو فور توليه رئاسة الوزراء لجنة وزارية للخصخصة تضم رئيس الوزراء ووزيري المالية والعدل ومحافظ بنك إسرائيل، بالإضافة إلى إنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي برئاسة يعقوب فرانكل محافظ بنك إسرائيل يتبع مكتب رئيس الوزراء، الأمر الذي يعكس حرص نتنياهو على أن يكون تحرير الاقتصاد الإسرائيلي وخصخصته خاضعين لإشرافه المباشر.

غير أن قدرة السياسات التي تتبعها الحكومة الحالية على احتواء الأزمة الاقتصادية وإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي مرة أخرى تظل محدودة، نظراً للاعتبارات التالية:

1 - طبيعة التوازنات السياسية في الائتلاف الحاكم، ففي الوقت الذي تحاول فيه حكومة اللكيود أن تتبع سياسات مالية انكماشية لخفض العجز في الموازنة تجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات عديدة وزيادة الإنفاق الحكومي في بعض المجالات لإرضاء شركائها في الائتلاف الذين يمارسون ضغوطاً عديدة لزيادة المخصصات المالية لهم، فعلى سبيل المثال اضطرت الحكومة لكي تتمكن من تمرير موازنة عام 1997 إلى زيادة المخصصات المالية لاستيعاب المهاجرين بمقدار 72 مليون شيكل إرضاءً لحزب إسرائيل بعالياه، وزيادة المخصصات للأحزاب الدينية بمقدار 36 مليون شيكل... إلخ.

2 - دور الهستدروت الذي يعارض أي مساس بمخصصات المعاشات، وقد نظم إضرابين عامين في النصف الأخير من عام 1997 شارك في كل منهما أكثر من نصف مليون إسرائيلي احتجاجاً على محاولات الحكومة تقليص هذه المخصصات في إطار سياساتها المالية الانكماشية. والواقع أن المواجهة بين الهستدروت والحكومة تكتسب - إلى جانب طابعها الاقتصادي المتمثل في الخلاف حول السياسات المالية وسياسة الخصخصة التي تتبعها الحكومة الحالية - أبعاداً سياسية نظراً لكون الهستدروت قاعدة الاقتصاد الصهيوني العمالي (الاستيطاني) ومركز التأييد التقليدي لحزب العمل.

3 - تضارب عناصر البرنامج الاقتصادي بسبب هشاشة الائتلاف الحاكم، وما تتيحه هذه الهشاشة للأحزاب الصغيرة من فرص لابتزاز الحكومة، على عناصر الأجندة الاقتصادية التي تقدمها الحكومة الحالية، وما تتعهد به من التوسع في الاستيطان (لإرضاء أحزاب كالمفدال مثلاً) واستيعاب المهاجرين (لإرضاء حزب إسرائيل بعالياه) في الوقت الذي ستقوم فيه بخفض الضرائب (لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي) وتقليص العجز في الموازنة العامة واحتواء التضخم، وهي أهداف تتطلب اتباع سياسات متعارضة، ويستحيل تحقيقها في آن واحد.

4 - تعارض الأجندة الاقتصادية مع الأجندة السياسية للائتلاف الحاكم، فبنود الأجندة الاقتصادية لا تتعارض مع بعضها البعض وحسب، وإنما تتعارض في مجموعها مع الأجندة السياسية القائمة على التوسع في الاستيطان والتشدد في عملية السلام. فالسياسات الاقتصادية الجديدة تقتضي إجراء مجموعة من التنازلات السياسية في عملية السلام لخلق مناخ يسمح بتدفق رؤوس الأموال غير المسيسة سواء للمساهمة في تمويل الخصخصة، أو في شكل استثمارات جديدة تنهي حالة الركود التضخمي، ناهيك عن دفع التعاون الاقتصادي الإقليمي، الأمر الذي يتعارض بطبيعة الحال مع السياسات المتشددة للائتلاف الحاكم، والتي تسببت في هبوط معدلات الاستثمار في العامين الأخيرين، وتراجع عدد السياح لإسرائيل (اعتباراً من النصف الثاني من عام 1996). كما أن الحصار الذي فرضته إسرائيل على المناطق المحتلة يحرمها من جهود العمالة الفلسطينية ذات الأجر المتدني التي يكفل تشغيلها بأجور منخفضة ضمان حد معقول من الربحية لرأس المال ومن ثم حفز النشاط الاقتصادي.

5 - تراجع عناصر النمو الذي أصاب مصادره، بتراجع النمو في عوامل الإنتاج الذي شهدته إسرائيل في أوائل التسعينيات كما سبق وأشرنا، ومن غير المنتظر أن تشهد إسرائيل نمواً مشابهاً في عناصر الإنتاج على المدى القريب.

فمن غير المتوقع أن تشهد إسرائيل موجة هجرة كبيرة على غرار الموجة الأخيرة لهجرة اليهود السوفييت التي أدت إلى زيادة سكان إسرائيل بمعدل 3% سنوياً خلال الفترة من 1990 - 1995. بل إن الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أنه منذ منتصف التسعينيات (أي بعد حركة الهجرة الأخيرة) أصبح تعداد يهود أوربا الشرقية لأول مرة في التاريخ أقل من تعداد نظرائهم في أوربا الغربية، وهو ما يعني أن المعين الرئيسي قد بدأ ينضب.

والخلاصة أن عام 1997 شهد بدايات تفجر أزمة الاقتصاد الإسرائيلي في إطار المشروع الصهيوني، والتي تحتم عليه الاختيار بين ضرورات البقاء الاقتصادي، وضرورات الوجود الاستيطاني. فالاقتصاد الإسرائيلي عليه، بعبارة أخرى، أن يختار بين أن يكون اقتصاداً رشيداً وبين أن يكون صهيونياً استيطانياً.

  • الثلاثاء AM 10:40
    2021-05-18
  • 1150
Powered by: GateGold