المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412153
يتصفح الموقع حاليا : 357

البحث

البحث

عرض المادة

هجـــرة اليهـــود الشـــرقيين

هجـــرة اليهـــود الشـــرقيين
Immigration of Oriental Jews
رغم الخلافات الأيديولوجية بين التيارات الكثيرة التي انضمت إلى مؤسسات الاستيطان المنظم، فقد كانت جميعها متفقة على المبادئ الأساسية للحركة الصهيونية، وكانت منسجمة اجتماعياً وإثنياً، على اعتبار أنها تنتمي إلى الأصول الاجتماعية الإشكنازية نفسها. وأدَّت هجرة اليهود الشرقيين بعد إقامة الدولة إلى تحولات جوهرية في المجتمع الجديد، وهي:


1 ـ تحوُّل جذري في البناء الطبقي، فقد أدَّت الهجرة إلى حراك سريع نحو الأعلى لعدد كبير من السكان القدامى؛ إذ تضخَّم الجهاز الإداري بسرعة، واستوعب جزءاً كبيراً منهم، ومُنحوا الوظائف في جهاز التعليم والمهن الحرة والجيش والحكم العسكري. وكان منهم رجال العلم والبحث والأدب والفن وغير ذلك. وضمنت هذه الأعمال دخلاً عالياً نسبياً ومكانة اجتماعية وقوة سياسية. كما توجَّه جزء منهم إلى المبادرة الاقتصادية بدعم ومساعدة من الدولة، فنشأت بذلك طبقة وسطى جديدة من صنع الدولة وتابعة لها.

أما بالنسبة لليهود الشرقيين، فقد سبَّبت الهجرة لجزء كبير منهم الحراك نحو الأسفل، لا سيما أنهم كانوا في عداد الطبقة الوسطى في مجتمعاتهم الأصلية، فتحوَّلوا في الغالب من موظفين وتجار إلى عمال بسطاء في الزراعة.

2 ـ أضافت الهجرة الجديدة إلى الدولة قوة بسبب ضخامة عدد المهاجرين، لكنها سبَّبت عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على ميزانية الدولة. وقد تم استيعابهم على نحو سريع نسبياً، وبثمن منخفض، إذ استُوعبوا في مستوطنات أُقيمت على أنقاض القرى الفلسطينية المهجورة، وخصوصاً في المناطق الحدودية، وأُقيمت مستوطنات جديدة خاصة بهم تُسمَّى «مدن التطوير». كذلك بقي عدد كبير منهم في معسكرات انتقالية أعواماً عدة. وتم توطين جزء صغير منهم في الضواحي العربية في المدن، ولا سيما في اللد والرملة وعكا وحيفا ويافا والقدس.

وتميَّز استيعاب المهاجرين الشرقيين بتوطينهم في المناطق البعيدة عن مركز البلد، ولا سيما في شماله وجنوبه. وهكذا تحوَّلوا إلى فئة محيطية هامشية جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

3 ـ لم يُعتبَر الشرقيون استمراراً للهجرات الإشكنازية السابقة، ولذلك سُمِّيت هجرتهم «الهجرة الجماهيرية» بدلاً من «الهجرة السادسة». كما أن طبيعة أعمالهم لم تُحسب ضمن الأعمال الطليعية والبطولات التي يمكن أن تُترجَم إلى مكانة وقوة سياسية.

4 ـ تحوَّل الشرقيون بعد فترة وجيزة من وصولهم إلى شريحة اجتماعية تابعة للدولة، وشكَّلوا دعماً لها. وكانت تعبئتهم سهلة، فساهموا في تقوية الدولة في وجه الجماهير العربية الفلسطينية.

5 ـ شكَّل الشرقيون بعد أعوام قليلة من توطينهم مشكلة اجتماعية/ اقتصادية كبيرة وعبئاً ثقيلاً. إذ بدأوا يطالبون بتوزيع أكثر عدالة للموارد وبالمساواة في الفرص. لكن الدولة كانت دائماً ترد مطالبهم بحجة المشكلة الأمنية وعدم إمكان معالجة المشكلات كلها في وقت واحد، وهو ما عبَّر عنه موشي ديان بمشكلة رفع العَلمين: عَلم الأمن وعَلم الرفاه الاجتماعي. وقد سـاعد هذا الادعـاء في احـتواء ظاهرة الفقر واستيعابها.

هكذا يمكن القول بأن هجرة الشرقيين أدَّت إلى تغيير التركيب الاجتماعي في إسرائيل على نحو جوهري.

النـــــــــــــــزوح
Emigration; Yeridah
حاولت الصهيونية منذ البداية أن تصوِّر العلاقة بين اليهود وأرض فلسطين العربية بوصفها علاقة مطلقة تستمد مغزاها من "وعد الإله لشعبه المختار"، وهي لذلك لا تخضع لأية متغيرات تاريخية أو اجتماعية، ولكن هذا ما يصطدم مع ما يرونا من حقائق عن تزايد معدلات الهجرة والنزوح، وهي حقائق تؤكد أن العلاقة بين اليهودي و"أرض الميعاد" هي علاقة نسبية تؤثر فيها المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


والمقصود بالنزوح هو حركة الهجرة المضادة إلى خارج إسرائيل وتُسمَّى بالعبرية «يريداه» أو «النزول»، ويُطلَق على المهاجرين إلى الخارج اسم «يورديم» أي «نازحين أو هابطين» أو «مرتدين» مقابل «عوليم» أي «صاعدين». ولعل هذه التسمية في حد ذاتها تعكس رؤية الصهاينة لحركة النزوح باعتبارها جريمة أخلاقية وخيانة للمبادئ الصهيونية، بل إن هؤلاء النازحين يُطلَق عليهم اصطلاح «الدياسبورا الإسرائيلية» بما يسببه من حرج للحركة الصهيونية باعتبار أن الدياسبورا مصطلح يشير إلى اليهود الذين يقطنون خارج فلسطين ولا يمكنهم الهجرة إليها لسبب أو آخر، أما أن تنشأ "دياسبورا" كانت تسكن فلسطين فهذا ما لا يقبله منطق الصهاينة. فالدياسبورا تفترض حالة غربة من الصعب في هذه الحالة تعريف مضمونها. بل إن من التطورات المهمة أن قرار النزوح أصبح مقبولاً اجتماعياً حيث يظهر بعض النازحين على التليفـزيون الإسـرائيلي ليتحدثوا عن قصص نجاحهم في الولايات المتحدة، كما تظهر في الصحف إعلانات عن إسرائيليين يودون بيع شققهم استعداداً للهجرة، وهذه أمور كانت في الماضي تتم سراً لأن نزوح أعداد كبيرة من الإسرائيليين، تماماً، مثل تساقط أعداد كبيرة من المهاجرين السوفييت، فيقوِّض دعائم الشرعية الصهيونية.

ولذلك تحاول المؤسسة الصهيونية تقليل حجم المشكلة، فالأرقام المعلنة عن النزوح، وإن كانت تعطي مؤشرات ودلالات مهمة، لا تمثل الحقيقة تماماً، إذ أن معظمها مأخوذ عن الإحصاءات الرسمية للهيئات الصهيونية داخل وخارج إسرائيل، وهي مثار شكوك عديدة من جانب القادة الصهاينة أنفسهم، فكثيراً ما عبَّر أناس لا يشك المرء في صهيونيتهم مثل إيريل شارون عن أن الأرقام المعلنة تقل كثيراً عن الحقيقة، ومن ناحية أخرى فلا يوجد تعريف "قانوني واضح وملزم" لكلمة «نازح»، من حيث مدة بقائه خارج إسرائيل، وخصوصاً أن جزءاً كبيراً من المهاجرين لا يغادر إسرائيل بتأشيرة مهاجر، علاوة على أن الإحصاءات لا تضم الذين يعيشون في الخارج ويحملون جنسيات مزدوجة، حيث يسجلون أنفسهم "إسرائيليين" تهرباً من الضرائب ومن أداء الخدمة العسكرية. كما أن أعداداً كبيرة من الطلاب الذين يمضون عدة سنوات للدراسة في الخارج يقررون عدم العودة لإسرائيل، وتكشف الأرقام والجداول الآتية عن حجم الظاهرة وتناقُض المعلومات بشأنها وإن كانت تعبِّر في النهاية عن ظاهرة خطيرة بالنسبة للمشروع الصهيوني .

هنا ايضا يوجد جدولين لم انقلهم لنفس السبب

الاول : السكان الذين مر على بقائهم خارج البلد عاماً متواصلاً فأكثر (أعداد مطلقة ونسب مئوية) .المصدر: دليل إسرائيل (خليفة وجريس).

والثاني :هجرة ونزوح المستوطنين الصهاينة : معدلات سنوية المصدر : نقلاً عن مقال تسيون رافي ، هآرتس 5 و 6 يناير 1986.

ويكشف الجدولان السابقان (1، 2) عن اختلاف المعلومات بشأن أعداد النازحين، ولكن نستنتج منها أن نسبة النازحين بلغت في مجمل عهد الانتداب البريطاني نحو 17% من مجموع المهاجرين إلى فلسطين، ويمكن تقدير عدد النازحين من إسرائيل منذ قيامها وحتى نهاية عام 1993 طبقاً للإحصاءات الإسرائيلية بنحو 471.800 شخص، أي بمعدل 10500 نازح في العام الواحد، وإذا تذكرنا أن عدد الذين هاجروا إلى إسرائيل في الفترة نفسها هو 2.363.477 شخصاً، أي بمعدل 52.500 تقريباً في العام الواحد، فإن نسبة النازحين حتى نهاية عام 1993 تبلغ 20% تقريباً من مجموع المهاجرين إلى إسرائيل، ويُلاحَظ أن هذه النسبة (نسـبة الهابطين إلى الصـاعدين) كانـت نحو 14% حتى أواسط السبعيـنيات، وبدأت هذه النسبة ترتفع بعد ذلك حتى وصلت ذروتها في أوائل التسعينيات، إذ بلغت 40.8 عام 1993، وهو مؤشر لارتفاع أعداد النازحين مقابل انخفاض أعداد المهاجرين إلى إسرائيل.

وهناك الكثير من الدلائل تشير إلى تقدير عدد النازحين بحوالي نصف مليون فقط هو محاولة من جانب المؤسسة الصهيونية التقليل من حجم الظاهرة. فبعض المصادر ترى أن عدد النازحين يصل إلى حوالي 750 ألف، وهو نفس عدد سكان المُستوطَن الصهيوني عام 1948، وهو ما حدا ببعض الصحف الإسرائيلية إلى الإشارة لهذه المفارقة وأشارت إلى ما سمته "الخروج من صهيون". وكلمة "خروج" مرتبطة في المعجم الديني اليهودي بالخروج من مصر والصعود إلى صهيون، أما أن يكون الخروج من صهيون فهو أمر يقف على طرف النقيض من الأسطورة الصهيونية.

والجدير بالذكر أن معظم النازحين من ذوي المهارات المهنية والأكاديمية، بل إن من النازحـين أعـداداً كبيرة من الضـباط والدبلوماسيين، فقد ذكرت صحيفة هآرتس 24 أغسطس 1987 أنه نزح عن إسرائيل 171 ضابطاً كبيراً في الاحتياط برتبة عقيد فما فوقها، وهو ما يعادل نسبة 10% من مجمل الضباط برتبة عقيد فما فوقها من الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي. كما أن 400 من الدبلوماسيين الذين أُرسلوا في بعثات حكومية إلى الولايات المتحدة من 1966 ـ 1985 غيَّروا وضعهم واستقروا في الولايات المتحدة، وقد كانت نسبة النازحين في البداية من بين المهاجرين، ولكن مع أواخر السبعينيات كان ثُلث النازحين من جيل الصابرا، أي الجيل الذي وُلد ونشأ على "أرض الميعاد". بل وصلت النسبة إلى 70 ـ 80% في منتصف الثمانينيات، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من النازحين من بين أبناء الكيبوتسات.

ويمكن القول بأن حركة النزوح ترتبط إلى حدٍّ كبير بأوضاع إسرائيل الأمنية حيث ارتفعت نسبة النازحين منذ منتصف السبعينيات، وبالتحديد بعد حرب عام 1973، وارتفعت بصورة أكثر حدة مع اندلاع الانتفاضة وذلك مقابل انخفاض الهجرة إلى إسرائيل في الفترة نفسها. بل إن عدد النازحين (14.600) أصبح أكبر من عدد المهاجرين إلى إسرائيل بحوالي 12% وذلك في عام 1988. ورغم الانخفاض النسبي في بداية التسعينيات مقابل تزايُد هجرة اليهود السوفييت، فإن حركة النزوح ارتفعت إلى 24 ألف نازح عام 1992، و31 ألف نازح عام 1993.

ورغم قدرة إسرائيل على تدبير الموارد الاقتصادية من خلال المعونات فإن العامل الاقتصادي يُعَد أحد أهم أسباب النزوح، وهذا ليس غريباً، باعتبار أن الدافع وراء الاستيطان في المقام الأول كان اقتصادياً، كما يرتبط النزوح بالتركيب المهني فهو يزداد بازدياد حدة الاختلاف بين مهن المهاجرين في الأقطار التي جاءوا منها وبين مجالات استيعابهم في إسرائيل، ويُتوقَّع أن يزداد نزوح المهاجرين السوفييت الذين تدفَّقوا على إسرائيل في أوائل التسعينيات وذلك بسبب فائض المهن العلمية والأكاديمية والفنية لديهم، وعدم قدرة سوق العمل الإسرائيلية على استيعابهم.

وتُشكِّل صعوبات الاندماج الاجتماعي بين المستوطنين في إسرائيل عاملاً مهماً من عوامل الهجرة للخارج حيث يحمل المستوطنون ثقافات وعادات وسمات قومية وحضارية متباينة إلى أقصى حد، بجانب انعدام المساواة وشيوع التفرقة بين الطوائف اليهودية، ومشاكل الجهل بالدين اليهودي التي تواجه المهاجرين إلى إسرائيل، فالكثير منهم يأكل لحم الخنزير ويتزوج من نساء غير يهوديات ولا يعرف أبسط قواعد الشريعة اليهودية، ثم يُفاجأ في إسرائيل بهيمنة المؤسسة الأرثوذكسية ورفضها الاعتراف بزواجه من غير يهودية.

إن ظاهرة النزوح المتفاقمة من إسرائيل تُشكِّل ـ على مستوى الممارسة ـ ضربة في الصميم لمقدرات المشروع الصهيوني العسكرية، فإذا كان اليهودي المهاجر من بلده إلى فلسطين المحتلة يتحول إلى مستوطن صهيوني مقاتل، فإن الحركة العكسية (النزوح والتساقط) تؤدي إلى تحوُّل المستوطن الصهيوني المقاتل إلى مواطن يهودي في بلد آخر، وبخاصة مع وجود نسبة كبيرة من النازحين من بين أعضاء الكيبوتسات وكبار الضباط والطيارين والمهندسين في صناعة السلاح، وفي ظل كون المشروع الصهيوني مشروعاً مسلَّحاً بالدرجة الأولى، يكتسب قدراً كبيراً من شرعيته الحقيقية أمام نفسه وأمام الغرب (بل وأمام العرب) من مقدراته القتالية.

ويمكن القول بأن تفاقم ظاهرة النزوح تثير قضية العلاقة بين الحركة الصهيونية من جهة ويهود العالم من جهة أخرى، وهو ما يؤكد عزلة الحركة الصهيونية عن يهود العالم وعجزها عن التأثير في أوساطهم بشكل فعال وحثهم على الهجرة والاستقرار في فلسطين المحتلة، بل يكشف عن زيف الدعايات الصهيونية والتناقُض الكامن في بنية الأيديولوجية الصهيونية نفسها القائمة على تهجير اليهود وعودتهم من المنفى إلى أرض الميعاد. ولكن الوقائع تثبت أن المنفى البابلي في الولايات المتحدة قوة لا تُقاوم حتى من جانب طليعة الشعب اليهودي، أي المستوطنين الصهاينة.

  • الاثنين AM 12:42
    2021-05-17
  • 1106
Powered by: GateGold