المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409159
يتصفح الموقع حاليا : 350

البحث

البحث

عرض المادة

الخــــلاص الجـــبري

الخــــلاص الجـــبري
Forcible Redemption
«الخلاص الجبري» مصطلح قمنا بسكه لوصف المحاولات الصهيونية التي تهدف إلى غزو الدياسبورا، أي الجماعات اليهودية في العالم، لإرغام أعضائها على ترك أوطانهم والهجرة إلى إسرائيل، ذلك لأن هجرتهم هذه (تهجيرهم ـ ترانسفير) فيها خلاص لهم من النفي في أرض الأغيار. فالصهيونية تفترض أنها تعرف ما فيه صالح أعضاء الجماعات اليهودية وأن يهود المنفى غافلون عما يحيق بهم من أخطار مادية ومعنوية، ونظراً لغفلتهم هذه فإنهم لا يُبدون حماساً كبيراً للهجرة إلى إسرائيل. وقد وصف أحد المسـئولين الإسـرائيليين هـذا الوضع بقوله: "إننا نجد أنفسنا مضطرين إلى سحب كل مهاجر جديد إلى إسرائيل وكأنه بغل حرون". وطالب بضرورة التدخل الجراحي، أي ضرورة تخليص اليهود بالإكراه.


والخلاص الجبري يأخذ أشكالاً كثيرة من بينها إصدار تصريحات وممارسة نشاطات صهيونية من شأنها تعريض أعضاء الجماعات اليهودية لتهمة ازدواج الولاء. ومن الأمثلة على هذا ما قامت به جولدا مائير حين كانت تشغل منصب وزير خارجية إسرائيل (عام 1960) إذ بعثت رسالة رسمية إلى بعض الحكومات الغربية تحتج فيها على أحداث وقعت في تلك الدول تنطوي على عداء لليهود، وكأن إسرائيل هي المسئولة عن يهود العالم، وكأنها بالفعل قادرة على التدخل لحمايتهم، وكأن يهود العالم قد فوضوها أن تتحدث باسمهم وتدافع عنهم.
ويأخذ الخلاص الجبري أحياناً شكل قَطْع المعونات عن المهاجرين اليهود الذين يرفضون الاتجاه لإسرائيل كما حدث مع بعض نزلاء معسكرات المرحَّلين بعد الحرب العالمية الثانية الذين كانوا يرغبون في الهجرة إلى الولايات المتحدة. فقد مارس الصهاينة شتى أنواع الضغط عليهم من حرمان من حصص الطعام وطرد من العمل وحرمان من الحماية القانونية وضمن ذلك حق الحصول على تأشيرة السفر. وكانوا في بعض الأحيان يُطردون من المعسكر كليةً. وتجري ممارسة نفس الضغط في الوقت الحاضر على المهاجرين السوفييت الذين يودون الاتجاه إلى الولايات المتحدة. ومن أشكال الخلاص الجبري الأخرى، توريط المستوطنين الجدد في إسرائيل من خلال إعطائهم معونات كبيرة يقومون بإنفاقها ويصبح من المستحيل عليهم سدادها. وقد مورست هذه الحيلة على نطاق واسع جداً مع المهاجرين السوفييت في السنين الأخيرة. وقد صرح كاتب في جريدة دافار بأنه لو كان الأمر بيده لبعث مجموعة من الشبان الإسرائيليين الصهاينة المتحمسين ليتولوا مهمة الخلاص الجبري ليهود الشتات المتفرقين عن طريق التخفي وإثارة ذعر اليهود بإطلاق شعارات معادية لليهود مثل "اليهود الملاعين" و"أيها اليهود اذهبوا إلى فلسطين" (والشعار الأخير، على كلٍّ، هو شعار صهيوني ومعاد لليهود في آن واحد). ولعل أهم حوادث الخلاص الجبري التي قامت بها الحركة الصهيونية هي عملية العراق حين بعثت الدولة الصهيونية عملائها إلى العـراق حيـث زرعـوا المتفجرات في أماكن تجمُّع أعضاء الجماعة اليهودية، وفي المعابد اليهودية، لإرهابهم "وتشجيعهم" على الفرار أو الخلاص الجبري.

إرهاب (ترانسفير) يهود العراق
Transfer of Iraqi Jews
من أهم العمليات الإرهابية التي قام بها الصهاينة ضد إحدى الجماعات اليهودية لإرغام أعضائها على الهجرة (الترانسفير)، وذلك لتحقيق الخلاص الجبري أو غزو الدياسبورا، وهي العملية التي دُبِّرت ضد يهود العراق بعد إعلان الدولة الصهيونية.


كان المجتمع العراقي يمر بمرحلة انتقالية في الأربعينيات، وكانت هناك صعوبات تكتنف حياة جميع الأقليات الدينية والعرْقية هناك، وضمنها الأقلية اليهودية. وفي سنة 1941، قامت مظاهرات معادية للجماعة اليهودية، ولكنها "الأولى من نوعها" كما تقول موسوعة الصهيونية وإسرائيل. وفي النهاية، كان لليهود العراقيين نصيبهم العادي من السعادة والشقاء، ففي ديسمبر 1934 أرسل السير ف. همفري، السفير البريطاني في بغداد، برقية سرية إلى وزارة الخارجية البريطانية، قال فيها أن الجماعة اليهودية في العراق "تتمتع" بوضع موات أكثر من أية أقلية أخـرى في البـلاد، وأوضـح أنــه "ليـس هنـاك عداء طبيــعي بـين اليهــود والعـرب في العــراق"، ويبدو أن تقرير السفير البريطاني كان دقيقاً بصفة عامة، فيهود العراق كانوا مؤمنين بأنهم عراقيون (أساساً) يرجع نَسبَهم إلى أيام النفي البابلي، وكان عدد كبير منهم يتمتع برخاء نسبي.

وكانت نسبة قيد يهود العراق في المدارس والكليات أعلى كثيراً من النسبة على المستوى القومي، فقد أوضح رافي نيسان (اليهودي العراقي الذي هاجر إلى إسرائيل واستوطن فيها) أنه، على الرغم من أن اليهود العراقيين تركوا ممتلكاتهم خلفهم في العراق، فإنهم أتوا معهم بشيء أكثر أهـمية "من المـال" وهو "خبرتنا وعلمنا"، على حد تعبيره. فثلث المهاجرين من يهود العراق تلقوا تعليماً لمدة أحد عشر عاماً على الأقل وهي نسبة تعلو حتى على النسبة المقابلة بين أولئك القادمين الجدد (إلى الدولة الصهيونية) من أوربا وأمريكا. وأضاف رافي أن "أكثر من 80 في المائة من أرباب الأسر المهاجرة كانوا من الحرفيين المهرة وأصحاب المحال التجارية والمديرين والمحامين والموظفين والمعلمين". وفيما يتعلق بمقدار المشاركة في الحكومة والسلطة، فقد أعلنت الحكومة العراقية "حرية الدين والتعليم والتوظف ليهود بغداد الذين لعبوا دوراً مهماً جداً في تحقيق رخاء المدينة وتطوُّرها". وكان هناك ستة أعضاء يهود في البرلمان العراقي.

ورغم هذا السلام والاستقرار اللذين كانت تتمتع بهما الجماعة اليهودية، قرر الصهاينة جعل العراق هدفاً لنشاطهم. والعراق ـ مثلها في هذا مثل ليبيا ومصر وفلسطين ـ كانت هي الأخرى مطروحة في وقت من الأوقات هدفاً محتملاً لخطة الاستيطان الصهيوني، الأمر الذي كان كافياً في حد ذاته لإثارة التوتر بين أغلبية السكان والجماعة اليهودية. وعندما اقتصرت المخططات الصهيونية على فلسطين (وتخومها)، تحوَّلت الأنشطة الصهيونية عن أرض العراق، وتركزت على يهود العراق، فأسَّس أهارون ساسون (سنة 1919) جمعية في بغداد تُدعى «اللجنة الصهيونية». وأنشأت هذه المنظمة فروعاً لها في عدة مدن عراقية (نحو 16 فرعاً)، بل أرسلت وفداً عنها إلى المؤتمر الصهيوني الثالث عشر (1923)، كما قامت بتنظيم جماعات شبابية لإعداد الشباب المهجرين وطبع عدة نشرات شهرية بالعبرية والعربية، وأسَّست مكتبة صهيونية. وكان الصهاينة يقومون أحياناً ـ بغرض تسميم العلاقات بين يهود العراق وباقي الشعب العراقي ـ بتوزيع منشورات في المعابد تحتوي على شعارات مهيجة، مثل "لا تشتروا من المسلمين" متعمدين أن تصل هذه المنشورات إلى أيدي المسلمين. ونجحت الدعاية الصهيونية، إلى حدٍّ ما، في بذر الشقاق و"المرارة" كما ألمح السفير البريطاني في برقيته سنة 1934 لبيان أن منع النشرات الصهيونية من الصدور قد يكون في "صالح اليهود أنفسهم".

ويبدو أنه، برغم الجهود الصهيونية، وبرغم تشاؤم السفير البريطاني، فإن يهود العراق لم يكونوا منعزلين تماماً عن وطنهم. فبعد النشاط الصهيوني الطويل في العراق، وبعد مظاهرات 1941 المؤسفة، اسـتأنف اليهود العراقيـون (بجذورهم الثابتـة في البلاد) حياتهـم الطبيعية، فأقاموا حياً يهودياً. واستثمروا مبالغ ضخمة في مجال البناء في مدينة بغداد، فقد جاء في كتاب لمؤلفة إسرائيلية أن المبعوثين الصهاينة في العراق "أدركوا أن الأيديولوجية الصهيونية لن تلقى قبولاً في معظم الدوائر اليهودية". وقد حاول أحد هؤلاء المبعوثين تجنيد عناصر من بين المثقفين "إلا أنه فشل". ثم جاء قيام الدولة الصهيونية والهزيمة العربية، الأمر الذي أدَّى كما هو متوقع إلى تعقيد الأمور بالنسبة للجميع. فقد أُعفي اليهود العراقيون، الذين كانوا يتولون مناصب تتطلب الاتصال بدول أجنبية، من مناصبهم. وباستثناء مثل هذه الحالات، فإن رد الفعل العراقي كان يتسم بضبط النفس إذا ما أخذنا في الحسبان أبعاد الموقف.

ورغم النشاط الصهيوني المكثف داخل العراق، ورغم تورُّط بعض يهود العراق البارزين في هذا النشاط، لم تنشأ حالة هستيريا شعبية من ذلك النوع الذي يجتاح الرأي العام عادةً في زمن الحرب، وبصفة خاصة في أعقاب الهزيمة. وقد قال كبير حاخامات العراق للحاخام بيرجر سنة 1955: "إننا نسمع أنكم، في الولايات المتحدة، لم تعاملوا مواطنيكم اليابانيين معاملة طيبة أثناء موجة الانفعال العاطفي التي أعقبت بيرل هاربر"، وكان يشير بذلك إلى اعتقال آلاف من الأمريكيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.

لقد كان من الممكن أن تنتهي المتاعب وقتها (سنة 1948)، وكان من الممكن أن يستأنف يهود العراق حياتهم، بدرجات مختلفة من التوتر والتوافق، وكان الزمن كفيلاً بجعل الجروح تلتئم. غير أن الصهاينة كان لديهم مخطط مختلف عن هذا، فقد كانت هناك خطوات أساسية لابد من اتخاذها بهدف تحقيق الخلاص "لمائة وثلاثين ألف يهودي ولتحسين موقف إسرائيل، في الوقت نفسه، من حيث عدد السكان". ونحن نعرف من مصادر صهيونية أن حركة صهيونية سرية ـ مثل تلك التي كانت تعمل في مصر ـ قد تأسست في العراق سنة 1941. وأعطيت المنظمة الجديدة (التي بدأت في تعليم الشبان اليهود كيفية استخدام الأسلحة النارية وتصنيع المتفجرات) اسم «حركة الرواد البابليين». وكونت الحركة السـرية جيشـاً شـبه مسـتقل داخل العراق كانت له أسلحته ومجندوه. وفي سنة 1947، كتب إيجال آلون، قائد البالماخ، رسالة إلى دان رام وصفه فيها بأنه "قائد جيتو العراق". وقامت الهاجاناه بتهريب الأسلحة ـ من بنادق وذخائر وقنابل ـ إلى العراق. وقال آلون في رسالته إلى دان رام "إن الهدف من إرسال هذه الأسلحة هو تشجيع كل أشكال الهجرة".

ولكن ما الذي كان يراد من كل هذه الأسلحة (التي عُثر عليها فيما بعد)؟ "هل كنا سنحارب العراق كله بها، هذا على افتراض أن ولاءنا كان متجهاً لإسرائيل، وهو ما لم يكن كذلك في الواقع". إن هذا التساؤل الذي طرحه حاخام عراقي عام 1955 كان له ما يسوغه، وكان من الممكن أن يظل دون إجابة لو لم تتكشف بعض القرائن.

شهدت بغداد عدداً من الحوادث سنة 1950، فقد أُلقيت شحنة ناسفة داخل مقهى اعتاد المثقفون اليهود الاجتماع فيه، ثم انفجرت قنبلة في المركز الإعلامي للولايات المتحدة. ومرة أخرى، نجد أن هذا المركز كان مكاناً اعتاد الشباب ـ وبخاصة اليهود منهم ـ أن يجلسوا فيه ويقرأوا، وعندما انفجرت قنبلة ثالثة في معبد ماسودا شيمتوف، أودى الحادث بحياة صبي يهودي، كما فَقَد رجل يهودي إحدى عينيه. ولا شك في أن المؤرخين الصهاينة كانوا سيصوِّرون هذه الفترة على أنها مذبحـة جماعية أخرى ضد اليهـود، لولا أن النقاب أزيح، بطريق الصدفة، عن مخطط صهيوني منظم للأعمال الاستفزازية.

ومن اليهود الذين ظنوا أن الانفجارات كانت من صنع العرب، يهودي عراقي يُدعَى كوخافي، أصبح فيما بعد مواطناً إسرائيلياً وعضواً بجماعة الفهود السود. لكنه قال إنه سمع إشاعة تتردد في إسـرائيل (بعد أن كان أفـراد الجمـاعة اليهودية العراقية، جميعهم تقريباً، قد هاجروا إلى الدولة الصهيونية) مفادها أن الحادث كان من فعل عميل صهيوني "وقد نُشر هذا الموضوع في الصحف أيضاً، ولم ينفه أحد". وربما كان كوخافي يشير بهذا إلى المقال الذي نشرته صحيفة هاعولام هازيه يوم 29 مايو سنة 1966، والتقرير الذي نشرته مجلة الفهود السود يوم 9 نوفمبر سنة 1972 وهما العملان اللذان أعادا ترتيب الحوادث التي وقعت أثناء المذابح الصهيونية المنظمة وأزاحا النقاب عن الحقيقة البشعة بأكملها.

ففي سنة 1951، أي بعد الانفجار الغامض مباشرةً، شاهد لاجئ فلسطيني من عكا (كان يعمل في أحد المحال الكبيرة في بغداد) أحد رواد المتجر، وعرف أنه يهودا تاجر (الضابط بالحكومة العسكرية الإسرائيلية في عكا). فأبلغ اللاجئ الشرطة العراقية عن وجود الضابط الإسرائيلي الذي قُبض عليه ومعه شالومك تزلاه وخمسة عشر آخرين من أعضاء المنظمة السرية الصهيونية. وكشف تزلاه أثناء التحقيق عن حقيقة المخطط الصهيوني، وأرشد الشرطة العراقية إلى مخابئ الأسلحة في المعابد. وقد حوكم العملاء من أعضاء المنظمة الصهيونية السرية بتهمة محـاولـة "إثـارة ذعـر اليهـود العراقيين لدفعـهم للهجرة إلى إسرائيل"، وصدر الحكم بالإعدام على اثنين من هؤلاء العملاء، وبالسجن لمدد طويلة على الباقين. وقال محام عراقي (من سكان تل أبيب الآن): "لقد كانت الأدلة من القوة بحيث لم يكن شيء ليمنع صدور الأحكام". والآن، يحاول قدوري سليم ـ المواطن الإسرائيلي اليهودي العراقي الذي فقد عينيه في حادث معبد شيمتوف ـ الحصول على تعويض من الحكومة الإسرائيلية.

  • الاثنين AM 12:38
    2021-05-17
  • 1082
Powered by: GateGold