المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412366
يتصفح الموقع حاليا : 305

البحث

البحث

عرض المادة

الرفــض اليهـودي للصهيونيـة والتوحــد الكامل معــها

الرفــض اليهـودي للصهيونيـة والتوحــد الكامل معــها
Jewish Rejection of Zionism and Total Identification with It
«الرفض اليهودي للصهيونية» هو المقابل العربي للمصطلح الإنجليزي «جـويش أنتي زايونيــزم Jewish Anti-Zionism»، وهـــو مصطلح أساسي، فعن طريقه يمكننا أن نُصنِّف هؤلاء اليهود الذين يرفضون الصهيونية قلباً وقالباً بشكل جوهري ومبدئي. ولكن ثمة نقطة قصور أساسية في المصطلح وهو أنه يفترض أن اليهود ينقسمون إما إلى صهاينة أو رافضين لها، أي أنه يقودنا إلى ضرب من الثنائيات المتعارضة البسيطة، والتي تفصلنا ببساطتها عن الواقع. ولذا قد يكون من الأفضل أن نتجاوز هذه الثنائيات فندرك الواقع من خلال مقولات ومصطلحات تحليلية وتصنيفية أكثر دقة وتركيبية.


ويمكننا إنجاز هذا لو نظرنا إلى الرفض اليهودي للصهيونية باعتباره يُشكِّل أحد أطراف مُتصَل مستمر طرفه الآخر هو القبول اليهودي غير المتحفظ للصهيونية والتعاطف بل التوحد الكامل بها وتوجد بين الطرفين المتعارضين ظلال كثيرة. وإذا كان رافضو الصهيونية أقلية والمدافعون عنها أقلية، فأغلبية يهـود العالم الساحـقة توجد بينهما. فهناك «عدم الاكتراث اليهودي بالصهيونية» وهناك «التملص» منها وهناك «الصهيونية النفعية» وهكذا.

و«الرفض اليهودي للصهيونية» هو عكس «التعاطف اليهودي مع الصهيونية». أما «التملص اليهودي» من الصهيونية أو «عدم الاكتراث اليهودي» بها، فهما أشكال إما مخففة أو كامنة من الرفض اليهودي. وهذا الرفض يستند إلى أساسين: أساس علماني (ليبرالي أو اشتراكي أو إثني) أو أساس ديني.

وتاريخ الرفض اليهودي للصهيونية يبدأ مع تاريخ الصهيونية نفسها. وقد جاء في موسوعة الصهيونية وإسرائيل أن المنظمات اليهودية الرئيسية "كافة" قد اتخذت من الصهيونية موقفاً معارضاً أو موقفاً غير صهيوني (أي غير مكترث). وقد دفعت المعارضة اليهودية القيادة الصهيونية لنقل مقر انعقاد المؤتمر الأول (1897) من ميونخ إلى بازل. وأعلنت اللجنة التنفيذية لمجلس الحاخامات في ألمانيا، عشية انعقاد المؤتمر، اعتراضها على الصهيونية على أساس أن فكرة الدولة اليهودية تتعارض مع عقيدة الخلاص اليهودية. كما اتخذت المنظمتان اليهوديتان الرئيسيتان في إنجلترا (مجلس مندوبي اليهود البريطانيين، والهيئة اليهودية الإنجليزية) مواقف مماثلة. وأعرب مؤتمر الحاخامات الأمريكيين المركزي عن معارضته التفسير الصهيوني لليهودية باعتبار أن الصهيونية تؤكد الانتماء القومي. وعارض حاخام فيينا (مسقط رأس هرتزل) فكرة إنشاء دولة يهودية لأنها فكرة معادية لليهود وتُرجع كل شيء إلى العرْق والقومية. وقد تبنت اللجـنة اليهـودية الأمريكية موقـفاً مناهضاً للصهيونية عام 1906، ثم انتهجت نهجاً غير صهيوني استمر حتى أواخر عام 1940. وعندما صدر وعد بلفور أعلن 299 يهودياً أمريكياً رفضهم في الحـال، في عريضـة موجهة إلى الحكومة الأمريكية، وقعوا عليها، على أساس أن ذلك يروج لمفهوم الولاء المزدوج. وفي 4 مارس سنة 1919، بعث جوليوس كان، عضو الكونجرس الأمريكي عن كاليفورنيا، ومعه 30 يهودياً أمريكياً بارزاً، رسالة إلى الرئيـس وودرو ويلـسون يحتـجون فيها على فكرة الدولة اليهودية. وأعرب أكثر الموقعين على هذا الاحتجاج عن أنهم يعبِّرون عن رأي أغلبية اليهود الأمريكيين، وكتبوا يقولون: إن إعلان فلسطين وطناً قومياً لليهود سيكون جريمة في حـق الرؤى العالمية لأنبياء اليهود وقادتهم العظماء. واسـتطرد البيان يقول: إن دولة يهودية لابد أن تضع قيوداً أساسية (على غير اليهود) فيما يتعلق بالجنس، وأكد أن توحيد الكنيسة والدولة في أية صورة سيكون بمنزلة قفزة إلى الوراء تعود إلى ألفي عام. وأعرب جوليوس كان وغيره (ممن وقعوا على الاحتجاج) عن أملهم في أن ما كان يُعرَف في الماضي بالأرض الموعودة يجب أن يصبح أرض الوعد لكل الأجناس والعقائد.

وكما أن مصطلح «صهيونية» مصطلح مختلط الدلالة، فإن مصطلح «رفض الصهيونية» أو العداء لها يتسم بالصفة نفسها:

1 ـ ففي بعض الأحيان، يُطلَق على اليهودي الذي يقف ضد التوسعية الصهيونية أو ضد قمع الدولة الصهيونية للفلسطينيين مصطلح «معاد للصهيونية».

2 ـ ويُستخدَم المصطلح نفسه للإشارة لنعوم تشومسكي الذي قرر أن السياسات الإسرائيلية والصهيونية ليستا بالضرورة مترادفتين، ومن ثم يستطيع أي يهودي أن يشجب السياسات الإسرائيلية والتصدي لها دون أن يتخذ موقفاً معادياً للصهيونية بالضرورة، ومع هذا صُنِّف تشومسكي معادياً للصهيونية رافضاً لها.

3 ـ أما ألان سولومونوف، وهو شخصية أمريكية يهودية شهيرة، فيطالب إسرائيل بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وأن تنشئ دولتين، واحدة فلسطينية والأخرى إسرائيلية، ولكنه رفض أن يتم تطبيق اصطلاح «صهيوني» أو «معاد للصهيونية» عليه. بينما نجد أن إدموند هاناور (مؤسس جماعة سيرش) يطالب بالمطالب نفسها، ويُسمِّي نفسه مع هذا «معادياً للصهيونية».

4 ـ يرى الصهاينة أن العداء اليهودي للصهيونية إنما هو شكل من أشكال كُره اليهودي لنفسه.

ونحن نذهب إلى أن اليهودي الذي يرفض الصهيونية هو اليهودي الذي يرفض الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة.

والرفض اليهودي للصهيونية ينقسم إلى قسمين أساسيين: ديني وعلماني:

1 ـ الرفض الديني:

أ) الرفض الأرثوذكسي: يرى بعض اليهود الأرثوذكس ورثة اليهودية الحاخامية (انطلاقاً من رؤيتهم الدينية) أن العودة إلى أرض الميعاد لا يمكن أن تتم إلا بعد ظهور الماشيَّح المخلِّص في آخر الأيام على أن يقوم هو بقيادة شعبه اليهودي. وبناءً على ذلك، تكون الحركة الصهيونية، بمحاولتها اتخـاذ خطوات عمليـة (مادية علمانية) لإقـامة وطن قومي يهودي، إنما تدخل في أخص خصوصيات الإرادة الإلهية، أي أنها نوع من التجديف والهرطقة، وتأسيس أية دولة علمانية في فلسطين على يد اليهود هو خرق للتعاليم التوراتية. إن الشعب اليهودي ليس شعباً مثل كل الشعوب وإنما هو أمة من الكهنة، كما أن العهد المبرم بينهم وبين الرب عهد ديني من نوع خاص وليس عهداً قومياً كما يتخيل الصهاينة. ويرى هؤلاء الأرثوذكـس ضرورة الإبقـاء على اليديشـية لغةً للتعـامل اليومي، فالعبرية هي اللسان المقدَّس. وقد قامت جماعة أجودات إسرائيل بالوقوف في وجه الصهيونية. ومن أهم الشخصيات الأرثوذكسية المعارضـة، جيـكوب دي هـان وناثان بيرنبـاوم. لكن التيار الصهيوني، اكتسح جماعة أجودات إسرائيل، شأنها شأن كثير من الجماعات الدينية اليهودية، ولم يبق الآن من ممثلي هذا التيار سوى نواطير المدينة وجماعات أخرى متفرقة في أنحاء العالم.

ب) الرفض الإصلاحي:

تَصدُر اليهـودية الإصلاحية عن شكل جديد من أشكال الحلولية، وهو ما نسميه «حلولية شحوب الإله» إذ يرون أن الإله قد حل لا في الأمة اليهودية ولا في الأرض اليهودية ولا حتى في التاريخ اليهودي وإنما في روح التقدم والعصر، ولذا فهم يرون أن اليهود ليسوا شعباً وإنما أقليات دينية، وأن الماشيَّح ليس شخصاً وإنما عصر مشيحاني تتحقق فيه كل قيم التقدم والعدالة وهو ليس مقصوراً على اليهود وحدهم. ولذا، فإن اليهودية الإصلاحية تقف ضد الصهيونية بشراسة لأن الصهيونية تصر على أن موضع الحلول هو الشعب اليهودي والأرض.

ومن أهم الشخصيات اليهودية المعادية للصهيونية على أساس إصلاحي، كلود مونتفيوري، والحاخام إلمر برجر. وقد حدث تغيُّر جوهري على اليهودية الإصلاحية، إذ اكتسحها التيار الصهيوني، وتمت صهينتها من الداخل، وأصبحت مُمثَّلة في المنظمة الصهيونية العالمية. كما تم تعديل كتاب الصلوات الإصلاحي بحيث أصبح يضم إشارات وعبارات صهيونية.

وكان دعاة اليهودية المحافظة في بداية الأمر من رافضي الصهيونية. وبسبب تَماثُل بنيتها وبنية الصهيونية (الشعب مركز الحلول)، تمت صهينة اليهودية المحافظة تماماً وبسرعة، وتشبهها في ذلك اليهودية التجديدية.

2 ـ الرفض العلماني.

أ) الرفض الليبرالي: يؤمن الليبراليون بمُثُل عصر الاستنارة، ووجوب فصل الدين عن الدولة، وأن اليهود ليسوا شعباً وإنما أقلية دينية، وأنهم ليسوا أمة من الكهنة وإنما مواطنون عاديون يتجه ولاؤهم إلى الدولة التي يعيشون فيها، وأن اليهود ليس لهم تاريخ مستقل وإنما يشاركون الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها تجاربهم التاريخية. فتاريخهم فرنسي في فرنسا، وإنجليزي في إنجلترا، واللغة التي يجب أن يتحدثوا بها هي لغة الوطن الذي يعيشون فيه. وعلى هذا، فإن حل المسألة اليهودية لن يتأتى إلا عن طريق مزيد من الاندماج. بل إنهم يعتبرون الحركة الصهيونية عقبة كأداء تقف في طريق الاندماج السوي. ومعظم الذين يشكِّلون هذا التيار هم من أعضاء الطبقات الوسطى في أوربا الغربية والولايات المتحدة والذين لم يجدوا صعوبة اقتصادية أو حضارية في الاندماج. ومن أهم الرافضين للصهيونية على أساس ليبرالي إدوين مونتاجو وهانز كون وموريس كوهين.

وقد تسبَّب إعلان دولة إسرائيل وصداقتها للعالم الغربي الرأسمالي في تَساقُط الجمعيات التي تعبِّر عن هذا الاتجاه، ولم يبق منها سوى جمعيات متفرقة مثل المجلس الأمريكي لليهودية، الذي يخضع الآن بعض الشيء للنفوذ الصهيوني، وهو ما اضطر الحاخام برجر للاستقالة منه وتكوين جمعية صغيرة مستقلة تحت اسم «بديل يهودي للصهيونية».

ب) الرفض الاشتراكي: يَصدُر الرفض الاشتراكي اليهودي للصهيونية عن تَصوُّر أن اليهود أقلية دينية وأن ما يسري على كل الأقليات يسري عليهم، وأن حل المسألة اليهودية يكون عن طريق حل المشاكل الاجتماعية والطبقية للمجتمع ككل. وقد كان هذا هو الحل الأكثر شيوعاً بين صفوف الشباب اليهودي في روسيا وبولندا وبين صفوف العمال اليهود، الأمر الذي جعل الوجود اليهودي في صفوف الحركات الثورية في شرق أوربا وروسيا أمراً ملحوظاً (وقد أفزع هذا أثرياء اليهود في الغرب أمثال روتشيلد، فساهموا في تمويل الحركة الصهـيونية ليحــولوا الشـباب والعـمال عن طريق الثورة). وقد هُزم هذا التيار في الأربعينيات والخمسينيات بعد ظهور دولة إسرائيل، لكنه بدأ في الظهور مرة أخرى في الغرب خصوصاً بعد أن ظهرت بوضوح الطبيعة الاستعمارية للدولة الصهيونية. ويُلاحَظ أن قطاعات كثيرة من اليسار الجديد في الغرب تعادي إسرائيل رغم (أو بسبب) وجود كثير من الشباب اليهودي الساخط على قيم المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي الذي تمثله الدولة الصهيونية في العالم الثالث.

وقد ضم تيار الرفض الاشتراكي اليهودي للصهيونية عبر السنين عدداً كبيراً من المفكرين اليهود البارزين، مثل: روزا لوكسمبرج وليون تروتسكي وإليا إهرنبورج وكارل كاوتسكي. وفي السنوات الأخيرة، ضمت القائمة ماكسيم رودنسون وإسحق دويتشر وبرونو كرايسكي. ولا يزال عدد كبير من المنظمات اليسارية في أوربا والولايات المتحدة، التي تضم في صفوفها أعداداً كبيرة من اليهود، تنتهج موقفاً مناهضاً للصهيونية والاستعمار.
جـ) الرفض من منظور قومية الدياسبورا: يرفض دعاة قومية الدياسبورا الصهيونية لأنهم يرون أن اليهود يُكوِّنون أقليات قومية لها هويات مستقلة خارج فلسطين. وحين يتحدث دعاة قومية الدياسبورا عن اليهود، فهم يشيرون لا إلى أقلية قومية أو حتى إلى أمة قومية، ولكنهم في واقع الأمر يشيرون إلى أقلية إثنية. وحيث إن معظم دعاة هذا الاتجاه كانوا يتحدثون باسم غالبية يهود العالم، وهم يهود اليديشية، فإنهم يتحدثون في العادة عن القومـية اليديشـية التي تكـونت هـوية أعضـائها تحت ظروف خاصة.

ولكن، إلى جانب هذا التيار، بدأ يظهر تيار مماثل بين يهود أمريكا يرى أن هويتهم الحقيقية هي هوية أمريكية يهودية تستحق الحفاظ عليها، ومن ثم ينبغي عدم تصفيتها أو إخضاعها للدولة الصهيونية.

د) وهناك أخيراً حبيب شيفر الذي يرفض الصهيونية باعتبارها مؤامرة شيوعية وعلى أساس أن الدولة الصهيونية هي أداة في يد الاتحاد السوفيتي لتخريب العالم الحر. وغني عن القول أن مثل هذه الدعاوى قد تهاوت تماماً في الوقت الحاضر.

هذه هي التيارات الأساسية في الرفض اليهودي للصهيونية. ويمكن القول من ناحية التطور التاريخي بأن العداء اليهودي للصهيونية كان قوياً للغاية حتى إعلان وعد بلفور، حين تم توقيع عقد بين الحضارة الغربية والصهاينة الذين ادعوا تمثيل الشعب اليهودي، وقد أُزيل بالتالي احتمال ازدواج الولاء. ومع إعلان الدولة الصهيونية دولة وظيفية في خدمة الاستعمار الغربي، أصبح من العبث معارضتها بل أصبح من المنطقي تبنِّي العقيدة الصهيونية باعتبارها العقيدة التي تُدخل اليهود في نطاق الحضارة الغربية وتُوظِّفهم لصالحها، وهذا ما حدث لمعظم يهود العالم الغربي ومنظماتهم. لكن المقاومة اليهودية للصهيونية، مع هذا، لم تنته تماماً، فقد بدأت تظهر شخصيات وتنظيمات جديدة معارضة للصهيونية أو متملصة منها، من أهمها بريرا والأجندة اليهودية الجديدة.

الاتحــاد المـــركزي للمواطنين الألمان من أتباع العـقيدة اليـهودية
Central-Verein Deutscher Staats-Burger Judischen Glaubens
منظمة يهودية ألمانية أُسِّست في برلين عام 1893 بهدف كفالة المساواة المدنية والاجتماعية بين اليهود وغيرهم من الرعايا الألمان. وقد عملت المنظمة على توحيد اليهود الألمان كافة في إطار تنظيمي واحد بغض النظـر عن تباين انتمـاءاتهم السـياسية أو تصوراتهم الدينية، كما سعت إلى تعزيز الانتماء الألماني في أوساط اليهود.


وقد اعتبرت المنظمة أن يهود ألمانيا يشكلون جماعة دينية لا جماعة قومية وأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة الألمانية، كما كانت ترى أن حل مشاكل اليهود الألمان يجب أن يتم في إطار الدولة الألمانية وليس بالانفصال عنها. ومن هذا المنطلق، عارضت المنظمة النزعات الانعزالية في أوساط اليهود، واتخذت موقفاً مضاداً من المشروع الصهيوني، وخطط تهجير اليهود إلى فلسطين وتوطينهم هناك. إلا أن هذا الموقف كان يفتقر إلى التماسك والصلابة حيث شاركت المنظمة في أعمال الوكالة اليهودية، كما ساهمت في تمويل مشاريع الاستيطان اليهودي في فلسطين من خلال منظمة التأهيل والتدريب (أورت) واللجنة الأمريكية اليهودية المشتركة للتوزيع وجمعية الاستيطان اليهودي (إيكا). ولكن يُلاحَظ أن نشاط بعض هذه الجمعيات كان نشاطاً يهودياً توطينياً يهدف إلى تحويل هجرة يهود اليديشية من أوربا إلى أماكن متفرقة من العالم، وليس إلى فلسطين بالضرورة، لأن هؤلاء المهاجرين كانوا يهددون مواقعهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية. ولذا، فالنشاط التوطيني هنا ليس ذا مضمون صهيوني، وخصوصاً أن هذه الجمعيات كانت تحاول أيضاً المساهمة في عملية دمج المهاجرين اليهود في مجتمعاتهم.

وقد كرسـت المنظـمة جـل طاقـتها لمواجهة حملات العداء لليهود، ونشر الكتابات الرامية إلى التعريف باليهودية، كما كانت تقوم بتمويل ومؤازرة الدعاوى القانونية ضد التشهير باليهود أو باليهودية. وبعد وصول هتلر إلى السلطة عام 1933، اتجهت المنظمة إلى تقديم الاستشارات القانونية والاستثمارية لليهود الألمان.

وقد تغيَّر اسم المنظمة في عام 1935 ليصبح «الاتحاد المركزي لليهود في ألمانيا»، ثم تغيَّر ثانيةً عام 1936 ليصبح «الاتحاد المركزي اليهودي»، ثم تم حلها في عام 1938 وجرى دمجها في منظمة المجلس الموحَّد لليهود الألمان.

ويُلاحَظ أن النازيين كانوا لا يفضلون التعامل مع الاتحاد المركزي للمواطنين الألمان بسبب اتجاهاته الاندماجية إذ أن النازيين يؤمنون بالشعب العضوي الذي لا يمكن أن يندمج فيه أعضاء الشعوب. ولذا، ومن وجهة نظرهم، كان دعاة الاندماج بين الألمان اليهود هم الأعداء الحقيقيون الذين يزيفون الواقع ويودون التسلل في صفوف الألمان بهدف تخريبهم من الداخل، هذا على عكس الصهاينة الذين يؤمنون مثلهم بفكرة الشعب العضوي اليهودي، ومن ثم يقفون ضد الاندماج. ولكل هذا، كان النازيون يؤثرون التعامل معهم.

حاخامات الاحتجاج
Protest Rabbis
استخدم هرتزل مصطلح «حاخامات الاحتجاج» عام 1897 ليصف به مجموعة من الحاخامات الألمان الذين احتجوا على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول وحذروا قيادات الطائفة اليهودية والحاخامات من الاشتراك. وقد نجم عن الاحتجاج الأول تغيير مكان انعقاد المؤتمر الذي كان قد خُطِّط له أساساً أن ينعقد في ميونخ. وبعد أن فشل حاخامات الاحتجاج في منع انعقاد المؤتمر الأول، نشروا مقالاً مؤداه أن الصهيونية تناقض آمال اليهود.


ونظراً لانفصال هرتزل (وبقية أعضاء القيادة الصهيونية) عن الدين اليهودي، وعدم إدراكهم كثيراً من مفاهيمه، فإن هذا الهجوم كان يمثل مفاجأة كاملة بالنسبة إليهم. فكتب نوردو يتحدث عن خيانة الحاخامات وكيف أنهم "يجب أن يحافظوا على حب اليهود لشعبهم ولإرتس يسرائيل". وقد كان نوردو يجهل أن الحب التقليدي لصهيون هو حب ديني لا يترجم نفسه إلى عودة جسدية حرفية بل يحرِّم مثل هذه العودة، وأنه يختلف تماماً عن الحب القومي العلماني لأرض الأجداد الذي يُترجم نفسه إلى استيطان.

  • الاثنين AM 12:54
    2021-05-10
  • 1085
Powered by: GateGold