المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412547
يتصفح الموقع حاليا : 352

البحث

البحث

عرض المادة

موقف الجماعات اليهودية من الصهيونية

موقف الجماعات اليهودية من الصهيونية
Attitude of the Diaspora to Zionism
تروِّج الدعاية الصهيونية لصورة مفادها أن الأغلبية العظمي من يهود العالم تؤمن بالعقيدة الصهيونية، وتؤازر الدولة الصهيونية وتقف وراءها صفاً واحداً. وقد يكون هناك شيء من الحقيقة السطحية والمباشرة في هذا القول، فرغم أن يهود إسرائيل لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من يهود العالم لا تتجاوز الثُلث بأية حال فإن الحركة الصهيونية قد هيمنت علي معظم المؤسسات اليهودية في العالم، ومنها كثير من الجمعيات اليهودية الأرثوذكسية والإصلاحية التي يوجد بينها وبين الصهيونية تَناقُض من ناحية العقيدة. فاليهودية الأرثوذكسية تري أن اليهود شعب بالمعني الديني وحسب وليس بالمعني العرْقي كما يتصوَّر الصهاينة. أما اليهودية الإصلاحية فتري أن اليهود ليسوا شعباً أساساً وإنما جماعة دينية يؤمن أفرادها بالعقيدة نفسها. وقد أصبح منْ يرفضون الصهيونية بشكل علني وعقائدي أقليةً هامشيةً لا يُعتد بها ولا يُسمَع لها صوت.


ولكن، رغم ذلك، ليست العلاقة بين الجماعات اليهودية والحركة الصهيونية علاقة طيبة دائماً. والمعروف أن الحركة الصهيونية لاقت مقاومة شديدة عند ظهورها من أغلبية أعضاء الجماعات اليهودية في العالم واضطرت إلي «غزو الدياسبورا»، أي لجأت إلي أنواع من العنف لقهرها والسيطرة عليها، وهذا ما تم بالفعل مع منتصف الخمسينيات. ولكن حتي بعد أن حققت الحركة الصهيونية ذلك، رفض أعضاء الجماعات اليهودية ـ في الممارسة العملية ـ الخضوع للأوامر والنواهي الصهيونية. فهم، علي سبيل المثال، يرفضون الهجرة إلي إسرائيل «وطنهم القومي» الوهمي، وهم قد يقبلون الصهيونية اسماً وشكلاً لكنهم يرفضونها فعلاً وعملاً. وهذا ما نسميه «التملص اليهودي من الصهيونية». كما أن اهتمام أعضاء الجماعات اليهودية في العالم ينصب علي موروثهم الثقافي من المجتمع الذي يعيشون في كنفه، فيهود الولايات المتحدة علي سبيل المثال يهتمون بموروثهم الأمريكي اليهودي ويتعلمون اللغة الإنجليزية ويضعون مؤلفاتهم الدينية والدنيوية بها، كما أنهم لا يدرسون العبرية إلا في مراكز خاصة لدراسة اليهودية يعاني خريجوها من البطالة لعدم وجود اهتمام كاف بهذه الدرسات. وهذا الوضع هو تعبير عن رفض ضمني كامن للمفاهيم الصهيونية الخاصة بنفي الدياسبورا وبمركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، وهي مفاهيم تؤكد أن يهود العالم مجرد أداة لتحقيق الهدف الصهيوني، وأنهم يمثلون هامـشاً يدور حـول المركز «القومي» الصهيوني أي الدولة الصهيونية.

وحتي في إطار الخضوع الظاهري الكامل لإسرائيل، تنشأ مشاكل عدة بين يهود العالم من الصهاينة واليهود غير الصهاينة من جهة وإسرائيل من جهة أخري. ولعل أهم هذه القضايا هي تلك التي أُثيرت منذ عام 1948 عن مدي حق أعضاء الجماعات، علي مستوي العالم، في توجيه النقد إلي إسرائيل. فالدولة الصهيونية تحاول أن تكون علاقتها بيهود العالم علاقة هيمنة، فتتلقي منهم العون والمساعدات والتأييد دون أن يكون لهم حق التدخل في شئونها. ولكنهم، في نهاية الأمر، رفضوا الهجرة إليها وآثروا البقاء في «المنفي»، وما يقدمونه هو تكفير عن عدم مساهمتهم في تحقيق رؤية الخلاص والمثل الأعلي الصهيوني. أما يهود العالم، فيرون المسألة بشكل مختلف، إذ كيف يُطلَب منهم قبول قرارات سياسية إسرائيلية لم يشتركوا في صياغتها، أو تأييد هذه القرارات دون اعتراض؟ وإذا كان لدي الدولة الصهيونية استعداد لأن تتلقي نقودهم بصدر رحب وحماس زائد، فيجب أيضاً أن يتسع صدرها لانتقاداتهم التي تَنصبُّ في الغالب علي مسائل محدَّدة.

وأولي المسائل المهمة التي يثيرها يهود العالم أن الصهيونية وعدتهم بأن تؤسِّس دولة يهودية تسمح لليهود بالتحكم في مصائرهم مستقلين عن مجتمع الأغيار. ولكن هؤلاء، حين ينظرون، يرون دولة مصابة بأزمة اقتصادية مزمنة وصل فيها التضخم في وقت من الأوقات إلي معدلات قياسية. ورغم أن التضخم تمت السيطرة عليه، فإن حجم مديونية هذه الدولة يجعل المواطن فيها من أكثر المواطنين مديونية في العالم، حيث تصل إلي 6.200 دولار بالنسبة إلي الشخص الواحد. ويُلاحَظ كذلك تَناقُص معدل النمو الاقتصادي. وقد أدَّي كل ذلك إلي الاعتماد المتزايد والمذلّ علي الولايات المتحدة.

وقد ادعت الصهيونية أن اليهود مصابون بشتي أمراض المنفي، مثل الهامشية والطفيلية وانقلاب الهرم الإنتاجي، وأنها ستقوم بتحويلهم إلي شعب منتج يعمل بيديه. ولكن هذه النبوءة لم تتحقق إذ أن عدد اليهود في الدولة الصهيونية الذين يشتغلون بأعمال إنتاجية في الوقت الحالي يبلغ 23%، وكانت النسبة 24% قبل عام 1948. وقد تزايد قطاع الخدمات وتَضخَّم في المجتمع الإسرائيلي وفي الجيش نفسه.

ومن القضايا التي يثيرها يهود العالم من المؤمنين باليهودية، مشكلة معدلات العلمنة المتزايدة في الدولة اليهودية التي لا تسودها القيم اليهودية، فكثيراً ما يجدون أن بعض مبعوثي الدولة اليهودية لم يقرأوا التوراة في حياتهم قط، ولم يذهبوا إلي معبد يهودي. وتضطر الدولة التي يقال لها «يهودية» إلي أن تعطي دورات مكثفة في الدين اليهـودي لبعـض مبعـوثيها إلي الخـارج حتي لا ينكشف السر، فهم لا يعرفون كيف تُقام الصلوات اليهودية ولا يدرون شيئاً عن السلوك الواجب اتباعه في المعبد اليهودي.

ويشير هؤلاء المتدينون أيضاً إلي أن الدولة اليهودية، التي كان من المفترض أن تكون مثلاً أعلي يُحتذَي، أصبحت ذات توجُّه استهلاكي حاد يُقبل سكانها علي استهلاك السلع الغربية بشغف شديد. وهي، علاوة علي هذا، دولة تنتشر فيها الجرائم والمخدرات والدعارة، كما أصبحت ترتع فيها الجريمة المنظمة، وأصبح الجهاز الحكومي لا يتمتع بسمعة طيبة بسبب فضائحه المالية المتتالية.

وحينما تتهم الدولة الصهيونية أعضاء الجماعات اليهودية بأنهم آخذون في الاندماج، بل في الانصهار والتلاشي، يشيرون هم بدورهم إلي حياة إسرائيل العلمانية، ويؤكدون أن الإسرائيليين هم الذين يفقدون هويتهم اليهودية بالتدريج، وأنهم هم الذين سيندمجون تماماً في حضارة الأغيار. بل إن بعضهم يري أن ما يحدث في إسرائيل هو ظهور قومية جديدة إسرائيلية لا علاقة لها باليهودية، وبالتالي لا علاقة لها بهم.ويثير يهود العالم قضية أساسية أخري يبدو أنها دون حل في الوقت الحاضر، وهي أن المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل ترفض الاعتراف باليهود الإصلاحيين والمحافظين كيهود، وهم يشكلون مع اليهـود اللا أدريين والملحـدين ما يزيد علي 80% من يهود العالم الغربي، في حين لا يشكل الأرثوذكس إلا أقلية صغيرة. وتأخذ القضية شكلاً حاداً، كلما أثارت المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل قضية تغيير قانون العودة حتي يصبح تعريف اليهودي هو من تهوَّد حسب الشريعة، أي علي يد حاخام أرثوذكسي وحسب.

ويري بعض المفكرين الدينيين اليهود أن ظهور الدولة الصهيونية قد أدَّي إلي انهيار اليهودية وتآكُلها من الداخل، فأصبحت الدولة هي دين يهود العالم، ومصدر القيمة المطلقة لهم، كما أصبح جمع التبرعات من أهم الشعائر «الدينية». وهم يرون أن اليهودي العادي قد أصبح يُفرغ أية شحنة دينية داخله عن طريق النشاط الصهيوني، وهو نشاط دنيوي بالدرجة الأولي.

ويثير يهود العالم قضية أساسية أخري، وهي: هل الدولة اليهودية مجرد دولة تخدم مصالحها بغض النظر عن مصالح اليهود، أو هي دولة يهودية تضع مصالح يهود العالم في الاعتبار؟ وقد أثيرت القضية مؤخراً بكل حدة بسبب التعاون الوثيق بين الحكومة الصهيونية وحكومة الأرجنتين العسكرية. وقد قام شامير، باعتباره وزيراً لخارجية إسرائيل، بزيارة الأرجنتين في الأيام الأخيرة للنظام العسكري، وقد ثبت أن هذا النظام، المشهور بميوله النازية المعادية لليهود، كان يقوم بتعذيب معارضيه، واليهود منهم علي وجه الخصوص. ومع هذا، فقد استمر النظام الصهيوني في الحفاظ علي علاقاته بالنظام العسكري في الأرجنتين. وكانت السفارة الإسرائيلية ترفض التدخل لصالح المعتقلين السياسيين اليهود. وثمة حقيقة مهمة تدعو إلي التساؤل: إن أحد أهداف الدولة اليهودية هو توفير الأمن والحماية لليهود، ومع ذلك فإن أعضاء الجماعات اليهودية يشعرون بأن أمنهم قد تزعزع بسبب الأحداث في الشرق الأوسط وأن الجو الذي يعيش فيه اليهود في عدة بلاد قد تحوَّل من جو آمن إلي جو قلق مشحون. وفي الواقع، فإن كثيراً من المؤسسات اليهودية تحتاج الآن إلي حراسة مسلحة. وقد صرح شامير مؤخراً بأن الدولة الصهيونية لا يمكنها أن تضطلع بمسئولية حماية أعضاء الجماعات اليهودية إذ أنها مشغولة بحماية وبناء نفسها.

ويشير اليساريون اليهود في العالم إلي علاقات إسرائيل بالنظم العسكرية في أمريكا اللاتينية، فهي من أكبر موردي السلاح إليها، كما أن علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية مع نظام جنوب أفريقيا محل انتقادهم، إذ كيف يتأتي لدولة يهودية متمسكة بالقيم اليهودية أن تتحول إلي حليف لكل قوي القمع والإرهاب في العالم؟ ويضطر الليبراليون أيضاً إلي الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين الكيان الصهيوني حينما يقوم بعمليات وحشية تفوح رائحتها مثل صابرا وشاتيلا. وقد حاولت الصهيونية أن تحل مشكلة سلوكها العنصري والإرهابي بأن قلَّصت مجال هذه العنصرية وجعلتها مقصورة علي مكان واحد فقط هو فلسطين، فهي ليست عنصرية كونية علي الطريقة النازية بل عنصرية مقصورة علي بؤرة واحدة (فلسطين)، وعلي شعب واحد. ولذا، تستطيع العقيدة الصهيونية أن تتخذ ديباجات اشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وديباجات رأسمالية ليبرالية في العالم الغربي، وديباجات فاشية في أمريكا اللاتينية، ويمكنها في النهاية أن تمارس وحشيتها كاملة في فلسطين دون أن تسبب حرجاً كبيراً لمناصريها في الخارج. ومع هذا، نجد أن اندلاع الانتفاضة قد غيَّر هذه الصورة، فقد أصبح الاحتفاظ بالازدواجية صعباً واضطر يهود العالم إلي شجب الأعمال الوحشية التي تمارسها إسرائيل.

ومن القضايا التي تثير بعض التوتر بين أعضاء الجماعات اليهودية والدولة الصهيونية، هجرة عدد كبير من مواطني الكيان الصهيوني إلي الولايات المتحدة واستيطانهم فيها. ويبلغ عدد المهاجرين 600 ألف، أكثر من نصفهم من مواليد إسرائيل (فلسطين)، أي من جيل الصابرا، ومن هنا يتم طرح السؤال التالي: هل من الواجب أن تقوم المؤسسات اليهودية بتقديم المساعدة لهؤلاء المهاجرين باعتبارهم يهوداً أم تجب مقاطعتهم باعتبارهم خونةً مرتدين؟

ويمكن القول بأن واحداً من أكبر أشكال فشل الدولة الصهيونية في الهيمنة الفعلية علي أعضاء الجماعات اليهودية في العالم أنه بعد مرور ما يزيد علي مائة عام علي الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وبعد مرور نحو أربعة عقود علي إنشاء الدولة الصهيونية، وبعد الحملات المكثفة، بل الهستيرية، التي تهدف إلي إقناع أعضاء الجماعات بالهجرة إلي فلسطين انطلاقاً من إيمانهم الديني القوي، والتي تؤكد لهم أن هذه الهجرة هي السبيل الوحيد إلي الحفاظ علي وطنهم القومي، أي إسرائيل، بعد كل هذا لم تقابل المنظمة الصهيونية والدولة الصهيونية كثيراً من النجاح، الأمر الذي فرض عليهما أن تطرحا جانباً في الآونة الأخيرة تلك المنطلقات العقائدية الصهيونية وتطرحا بدلاً منها شعارات مادية استهلاكية. فإسرائيل، حسب الحملات الدعائية الجديدة، ليست أرض الميعاد ولا مسرح الخلاص، وإنما هي بلد تتوافر فيه أسباب الراحة المادية للمهاجر حيث يمكنه أن يمتلك بيتاً واسعاً كبيراً بشروط ائتمانية سهلة، وبالتقسيط المريح، أو يمكنه أن يجد فرصاً أحسن للعمل أو الاستثمار. بل تم تعديل الأسطورة الصهيونية نفسها، فبدلاً من الإصرار علي اليهودي الخالص، اليهودي مائة في المائة، تم الاعتراف بالأمريكي اليهودي، أي اليهودي الذي ينتمي إلي وطنه الأمريكي انتماءً كاملاً، ويعتز بتراثه الإثني ما دام هذا الاعتزاز لا يتناقض مع انتمائه الأمريكي. ولا يختلف الأمريكي اليهودي في هذا عن الأمريكي الإيطالي أو الأمريكي البولندي. وداخل هذا الإطار، تصبح إسرائيل مثل إيطاليا وبولندا أي «مسقط الرأس» الذي أتي منه المهاجر. ولكــن المفــارقة تكمــن في أن هذه الأسـطورة تقف علي النقيــض من الأســطورة الصهيــونية، لأن «مسـقط الــرأس» هي البلـد الــذي يهاجر منه اليهودي، علي عكس «صهيون» أو «أرض الميعاد» فهي البلد الذي يعود إليه. وهكذا تحوَّلت الأسطورة الصهيونية إلي نقيضها من خلال محاولتها التكيف مع الوضع الأمريكي. وهذا هو أحسن تعبير عن مدي ارتباط أعضاء الجماعات بأوطانهم، وعن حقيقة موقفهم المتعيِّن من الصهيونية الذي يتجاوز التصريحات الساخنة والشعارات النارية الصهيونية.

مركزيـــــة الدياســـــبورا
Centrality of the Diaspora
«مركزية الدياسبورا» عبارة تعني الإيمان بأن الحياة الحضارية والسياسية لأعضاء الجماعات اليهودية تتشكل خارج فلسطين، وبأن علاقتهم بإسرائيل قد تكون مهمة ولكنها ليست أهم شيء في حياتهم إذ أن لديهم مصالحهم وثقافتهم وحركياتهم الاجتماعية المستقلة عن الدولة الصهيونية. وبالتالي فلابد أن تكون العلاقة بين الدولة وبين الجماعات اليهودية علاقة متكافئة. ولا يرد هذا المصطلح في الكتابات الصهيونية أو اليهودية، ولكنه افتراض كامن في كتابات دبنوف الذي يستخدم مصطلح «قومية الدياسبورا». ولا يمكن تفسير سلوك أعضاء الجماعات إلا في إطار هذا المفهوم. وتُعَدُّ استجابة يهود الولايات المتحدة لحادثة بولارد دليلاً جيداً علي الإيمان بمركزية الدياسبـورا وبانفصـال أعضـاء الجـماعات عن المركز الصهيوني المزعوم. كما أن المصطلح يتجلي في بعض التصريحات مثل تصريح مدير عام منظمة إيباك الصهيونية: "إذا كانت إسرائيل هي مركز العالم اليهودي، فنيويورك هي إذن مصدر وجوده". أما الحاخام جيكوب نيوزنر، فقد أكد بلا مواربة أن أمريكا أفضل من القدس بالنسبة إلي يهود الولايات المتحدة، وأنه إذا كانت هناك أرض ميعاد فإن اليهود الأمريكيين يعيشون فيها بالفعل علي نحو لا يمكن أن يتاح لهم في إسرائيل. ومن الثابت أن إسرائيل لا تلعب دوراً رئيسياً من الناحية الثقافية والدينية في حياة الأمريكيين اليهود. ومع ضعف صورة الدولة الصهيونية وتراجع نفوذها، وخصوصاً بعد الانتفاضة، فإن من المُتوقَّع أن يحقق أعضاء الجماعات قدراً أكبر من الاستقلال ويؤكدوا بالتالي أهميتهم ومركزيتهم بشكل أكبر.


قوميـــة الدياســـبورا
Diaspora Nationalism
«قومية الدياسبورا» مصطلح شائع في الكتابات الصهيونية واليهودية، وهو يشير إلي أن الجماعات اليهودية تشكل شعباً واحداً وقومية يهودية لها مركز واحد. ولكن هذا المركز لم يكن هو فلسطين في سائر اللحظـات التاريخية، وإنما كان ينتقل بانتقال القيادة الفكرية لليهود. فهو مرة في بابل، وأخري في الأندلس، وثالثة في ألمانيا أو في روسيا، ولعله الآن في الولايات المتحدة أو إسرائيل.


ويتفـق مفهـوم قومية الدياسـبورا مع الفكر الصهيوني في عدة نقاط، من أهمها أن اليهود يكوِّنون شعباً واحداً وأن له تراثاً واحداً. ولكن قومية الدياسبورا تختلف عن الصهيونية في قبولها تعددية المركز، وفي رفض فكرة مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، أي الجماعات اليهودية. وقد يبدو هذا الاختلاف سطحياً، ولكنه في الواقع اختلاف جوهري إذ أن تعددية المركز تعني أن الدولة الصهيونية ليست مسألة ضرورية أو حتمية أن اليهود يمكنهم التعبير عن هوياتهم أينما وُجدوا. كما أنه يعني أن تراث يهود العالم تراث يستحق الحفاظ عليه، وأن الشعار الصهيوني الداعي إلي تصفية الدياسبورا ونفيها شعار معاد لليهود. ويُعتبر كلٌّ من المؤرخ الروسي اليهودي سيمون دبنوف والكاتب الروسي اليديشي حاييم جيتلوسكي من أهم دعاة قومية الدياسبورا.

وعلي مستوي البنية الفكرية الكامنة، تعني قومية الدياسبورا بالنسبة إلي هذين الداعيين قومية يهود اليديشية أو القومية اليديشية باعتبارها قومية يهودية شرق أوربية يمكن التعبير عنها من خلال إطار الدولة متعددة القوميات (علي نمط الإمبراطورية الروسية والدولة السوفيتية والإمبراطورية النمساوية المجرية). وبالفعل، نجد أن قومية الدياسبورا أصبحت، علي مستوي الممارسة، هي حق يهود اليديشية في التعبير عن هويتهم الثقافية وفي الحفاظ علي تراثهم ولغتهم داخل إطار الدولة متعددة القوميات. ولذا، فإن مصطلح «قومية الدياسبورا» ليس دقيقاً البتة، وقد يكون من الأدق الإشارة إلي «القومية اليديشية الشرق أوربية» أو «القومية اليهودية الشرق أوربية»، وعلي كلٍّ فقد تهاوي هذا المفهوم بتزايد معدلات الاندماج بين يهود الاتحاد السوفيتي ويهود الولايات المتحدة.

ويوجد تيار داخل الفكر الصهيوني يميل إلي قبول صيغة معدلة من قومية الدياسبورا، إذ يذهب بعض الصهاينة إلي أن تراث الدياسبورا مهم ويجب الحفاظ عليه ولكنهم يصرون، مع هذا، علي أن مركز الثقافة اليهودية يجب أن يظل في فلسطين. ولعل صيغة مثل هذه هي التي تحكم العلاقة بين الجماعات اليهودية في العالم وفي إسرائيل، فإسرائيل تَقَبل الآن وجودهم في المنفي باعتبارها حالة نهائية، وتَقَبل إسهاماتهم الحضارية كشيء يستحق المحافظة عليه. وفي المقابل، يَقَبل يهود العالم مركزية إسرائيل في حياتهم الثقافية ويستمدون منها شيئاً من هويتهم، وهذا ما يُطلَق عليه «الصـهيونية التوطينية»، وهي صهـيونية يؤمن بها اليهــودي في الغرب، حتي يحافظ علي هويته التي يهددها المجتمع الاستهلاكي بالهلاك ودون أن يُضطر إلي الاستيطان في إسرائيل.

القوميـــة اليديشــية
Yiddish Nationalism
انظر: «قومية الدياسبورا«.

  • الاثنين AM 12:45
    2021-05-10
  • 829
Powered by: GateGold