ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
ابحث الأن .. بم تُفكر
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
يتصفح الموقع حالياً 55
تفاصيل المتواجدون
من هنا الطريق
مجتمع المبدعين
المواد

سُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ : إنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ فَكَفَّرَهُ رَجُلٌ بِهَذِهِ فَهَلْ قَائِلُ ذَلِكَ مُخْطِئٌ أَوْ مُصِيبٌ ؟ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا ؟ وَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ ؟ .

من المعلوم أن الكافر المرتد أشد كفراً من الكافر الأصلي وقد غلظ الله العقوبة وضاعفها للذي يكفر بعد إيمانه ويرتد بعد إسلام ولم يذكر ذلك لتضعيف ولا هذه الشدة في الكافر الأصلي فقال سبحانه يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ

الكفر ضد الإيمان وكما أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل فكذلك الكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالقول المكفر ويكون بالعمل المكفر ويكون بالشك ويكون بالترك وأهل السنة لا يكفرون بالذنوب والمعاصي والكبائر التى هى دون الكفر فلا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله وثبت كفره بيقين لا شك فيه ولا تأويل ويكون ظاهراً جلياً عليه من الله برهان وهو الكفر البواح

قد تكلمنا عن حقيقة الإيمان بالتفصيل فى التنبيهات وهنا نقول باختصار أن الإيمان عند أهل السنة يتركب من أركان ثلاثة الاعتقاد والقول والعمل باعتقاد القلب وقول اللسان وعمل بالجوارح والأعمال من الإيمان وركن فيه ومن الأعمال ما يزول الإيمان بزوالها ومنها مالا يزول الإيمان بزوالها لأنه مراتبه ثلاثة

أما حالهم مع أهل التفريط والإرجاء من مرجئة وأشاعرة فهو عجب عجاب وقد مر بعض من أقوالهم فسما سبق فهم يريدون منا أن نقول بقولهم ونعتقد عقيدتهم الفاسدة من أن من قال لا إله إلا الله فهو من أهل الجنة وإن لم يعمل قط وإن أعرض عن العمل بالشريعة

مع أنى فى عمرى إلى ساعتى هذه لم أدع أحدا قط فى أصول الدين إلى مذهب حنبلى وغير حنبلى ولا انتصرت لذلك ولا أذكره فى كلامى ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها وقد قلت لهم غير مرة أنا أمهل من يخالفنى ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن أحد من أئمة القرون الثلاثة يخالف ما قلته فأنا أقر بذلك وأما ما أذكره فأذكره عن أئمة القرون الثلاثة بألفاظهم وبألفاظ من نقل إجماعهم من عامة الطوائف

التأول هو الخطأ في فهم دلالة النص الشرعي، بإنزال بعض النصوص في غير محلها، أو إخراجها عن مدلولاتها الصحيحة التي تشهد لها النصوص الأخرى وقواعد اللغة والشرع.

كانت هناك فكرة منتشرة بين جماعات الغلو فى التكفير ممن يرون الخروج على الحكام والقيام بعمليات ضدهم فى بلاد المسلمين –وليس كل من يخرج على الحكام الكفار والمرتدين من الخوارج-وإلا فما هو حكم الحسن بن على رضى الله عنه وهو صحابى من أهل الجنة ؟وسعيد بن جبير إمام التنابعين ؟-

ومن المعلوم أن مجرد الذهاب إلى المحاكم الوضعية والتعامل معها ، ليس كفرًا ، بل يكون كفرًا مخرجًا من الملة وهو الأصل ، وأحيانًا يكون محرمًا وأخرى يكون جائزًا ، فالتحاكم نوعان : شرعي وإداري ، فالتحاكم الإداري : ليس كفرًا بل حكمه على حسب حال المتحاكم

قال –رحمه الله-( وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ مَسْتُورٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ قَالَ : لَا أُصَلِّي جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً إلَّا خَلْفَ مَنْ أَعْرِفُ عَقِيدَتَهُ فِي الْبَاطِنِ فَهَذَا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ . )4/331

وأهل التوقف والتبين فرقة من فرق الغلو فى التكفير يتوقفون فى من ظهرت منه دلالات الإسلام الظاهرة مثل الصلاة والأذان والإقامة والوضوء ولا يصلون إلا خلف من يعرفون عقيدته وحاله ,أما مستور الحال الذى ظهرت عليه سمات الإسلام فيتوقفون فيه ولا يصلون خلفه بحجة أن الدار دار كفر

قال تعالى في سورة الإسراء : " وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " فالعلم الذي كلفنا الله به هو الظاهر ، والباطن يعلمه الله ، فبأي دليل من القرآن والسنة أو الإجماع فهمت أن الدلالات الظاهرة للإسلام غير كافية في إبطال المعتقدات الفاسدة ؟

إن أهل السنة والجماعة وسط بين الإفراط والتفريط , بين غلو الخوارج ومن شابههم وبين إفراط المرجئة ومن شابههم وقال بقولهم وأهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة واجتمعوا عليها ولهم خصائص ومميزات يُعرفون بها بين أهل الفرق والطوائف ومن أهم ما يميزهم منهج الاستدلال ومصادره وقواعده التى يتمسكون بها

موضوع الجهل باعتباره عارض من عوارض الأهلية والذي يعنينا هو الجهل بمعنى عدم العلم وهل يصلح أن يكون عذراً على الإطلاق . وقد قرر الفقهاء في باب الجهل أنه لا تقبل دعوى الجهل والاعتذار به فى الأمور المشتهرة بين الناس بخلا ف مالا يعرفه إلا الخواص "الموسوعة الفقهية 16/200

التأدب بآداب الخلاف وعدم التعصب وتقديس العلماء والحجة في الدليل عدم الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية والبعد عن النظرة الأحادية والإرهاب الفكري وإلزام المخالف بما ليس بلازم .

القاعدة هذه مرتبطة بالتي قبلها من حسن دعوة الناس والحرص على وصول الخير لهم والجدية والإخلاص في نصحهم والهدف من ذلك هو تعبيد الناس لرب العالمين .الهدف هو انتهاء الناس عما هم علية من خطأ ,هدف الدعاة رجعة الناس إلى الحق والصواب وهذا أدعى إلى قبول الدعوة لما فيه من إخلاص

يقول الله تبارك وتعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف ويقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين "الحج 54 وقال الله تعالى "يأيها النبى بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته

أهل السنة لا يكفرون المكره والمتأول تأويلا سائغا وشبهة معتبرة فى المسائل الخفية وحديث العهد بالإسلام والناشئ ببادية بعيدة والعاجز عن تعلم العلم الغير متمكن منه . الجهل والخطأ والنسيان يرفع الإثم ولا يسقط الحكم ومن جهل حكما يعلمه عامة المسلمين أو بعضهم لم يقبل عذره بجهله

الإتيان بأقسام التوحيد الثلاث وصرفها لله وحده من إلوهية وربوبية وأسماء وصفات وما يتفرع منهم من نسك وولاية وحاكميه والأصل في ذلك صرف العبادة لله وحده وكذلك معرفة التوحيد وهي القاعدة التالية : التوحيد هو صرف العبادة لله وحده والشرك هو صرف العبادة التي هي حق لله لغير الله علي تفصيل بين أهل السنة سيأتي قريباً .

كل من مات على التوحيد وأتى بأصل الدين ولم يلق الله بشرك أكبر فهو موحد وإن وقع فى الكبائر والمعاصي والذنوب التى هى دون الشرك فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه بما اقترف من الذنوب والكبائر وإن شاء غفر له ابتداء بما معه من التوحيد وأصل الدين ومآله إلى الجنة .

من الأعمال ما هو كفر مخرج ومنها ما دون ذلك خلافا للخوارج ترك جنس العمل (أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة والتمكن )كفر قولا واحدا وترك آحاد الأعمال ليس بكفر .هذه القواعد الثلاثة تدل على شيئ واحد وتتكلم على أصل واحد وهو العمل وماهيته وحكم تاركة والفرق بين جنس العمل وآحاد العمل .

هذه القاعدة شارحة وموضحة للقاعدة السابقة وكذلك القاعدة القادمة . فكما تقدم أن الإيمان على مذهب أهل السنة والجماعة اعتقاد وقول وعمل فكذلك الكفر عندهم يكون بالقول والعمل والاعتقاد والمقصود هنا الكفر الأكبر كما بيناه فى الرد على شبهة الإرجاء فى تفصيل الكفر والشرك والنفاق والظلم والفسق .

سبق الحديث عن الإيمان في القاعدة الأولي وفي ثنايا الكلام السابق لكن نود هنا أن نشير إلي مذهب أهل السنة في مسألة الإيمان وسنفرد في أخر البحث فصلاً كاملاً عن حقيقة الإيمان فى سؤال وجواب , المقصود أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة يتركب من أركان ثلاثة أو مبانٍ ثلاثة أو أصول ثلاثة خلافاً للخوارج والمرجئة,الاعتقاد والقول والعمل

هذه القاعدة كانت مرتبطة بالقاعدة رقم 22 لكن عند الترتيب أفردناها حتى تكون القواعد مرتبة ً حسب الأهمية والأولوية فبدأ بقواعد التوحيد وأصل الدين ثم فقه الدعوة وأدب الخلاف وإن كانت الدعوة والجهاد متلازمين لا ينفك أحدهما عن الأخر لكن لما ظهرت بدعة المرجئة وأطلقوا التكفير علي أهل السنة وتناسوا أن التكفير حكم شرعي لا يجوز التحذير منه

إن حكم الله ورسوله لا يتغير في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالي وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم نصاً ظاهراً واستنباط أو غير ذلك علمه من علمه وجهله من جهله فحكم الله لا يتغير

قبل أن ندخل في شرح هذه القاعدة نود أن نقدم لها مقدمة توضحها وهى من الأهمية بمكان لأن النزاع القائم بين أهل الحق والباطل حول هذه القاعدة وان كانت علي عمومها صحيحة ولكن ليست بإطلاق بل أحياناً كثيرة يكفر الإنسان أو يكفر المسلم بعينه وقبل أن نشرح القاعدة نقول . ما هى حقيقة الإسلام ؟ حقيقة الإسلام أظهرته ثلاث آيات ,

هذه القاعدة من القواعد المهمة التى أهملها أهل الغلو فى التكفير فقالوا بالتلازم بينهما فعلى هذا التلازم سحبوا حكم الدار على الأفراد وإن كانت بدعه المرجئة قبيحة وشنيعة إذ هى تسوغ الكفر والشرك بتأويل فاسد وهل فسد الناس إلا بالتأويل ؟وهل نحيت الشريعة إلا بالتأويل ؟

هاتان القاعدتان مرتبطتان فهما تبحثان في الحكم الظاهر, وحقيقةً هذه من الأمور التي ضلت بسببها الخوارج وأهل الغلو 1 فسبب انحراف أهل الغلو هو عدم تفريقهم بين : أحكام الدنيا وأحكام الآخرة

يثبت عقد الإسلام للكافر بإحدى ثلاث النص أو الدلالة أو التبعية فوجود واحدة من هذه الثلاث فى الشخص يثبت له عقد الإسلام ولكن لابد أن نفهم ونتذكر ماقدمناه فى القاعدة الأولى من أن الإسلام معناه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة ,والبراءة من الشرك وأهله ,فلابد من ترك الشرك ابتداءً فلا يكون مسلما مشركاً

قلنا الأصل فى المسلمين الإسلام حتى نخرج اليهود والنصارى والكفار من الحكم ولو قلنا الأصل فى الناس الإسلام فإن لفظ الناس عام يشمل كل الناس وبذلك يحمل قول الأصل فى المسلمين الإسلام ويقصد بذلك الميثاق الأول وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فهو قول معتبر

إن الإيمان إذا أطلق يراد به الإيمان ويراد به التوحيد ويراد به الإسلام ويراد به العقيدة وأصل الدين . وهنا يراد به صفه معينه مخصوصة كما فى الحديث الصحيح :"بنى الإسلام على خمس "فقد شبه النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام بالبيت الذى لا يقوم ولا يؤسس إلا على أركان بمثابة الأصول التى يبنى عليها غيرها .

لقد تركت معركة النهروان في نفوس الخوارج جرحاً غائراً لم تزده الأيام والليالي إلا إيلاماً وحسرة، فاتفق نفر منهم على أن يفتكوا بعلي رضي الله عنه، ويثأروا لمن قتل من إخوانهم في النهروان. وأجمع أهل السير والمؤرخون على ذكر رواية مشهورة ، لا تسلم من انتقادات لاحتوائها على عناصر متضاربة وأخرى مختلفة

هادن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه، ويبدو أن الهدنة لم تستمر، فمعاوية أرسل بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن في العام الذي استشهد فيه علي رضي الله عنه ، ولما لم يتمكن علي رضي الله عنه من تجهيز الجيش بما يصبو ويريد، ورأى خذلانهم كره الحياة وتمنى الموت

لم يستسلم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لهذه المصائب، وهذا التقاعس والتخاذل، فقد بذل جهده في استنهاض همة جيشه بكل ما أوتي من علم وحجة وفصاحة وبيان، فخطبه الحماسية المشهورة التي اشتهرت عنه، وتعتبر من عيون التراث لم يلقها من فراغ أو خيال، بل من مر تجرعه وواقع أليم عاصره

كان قتال أمير المؤمنين رضي الله عنه لهذه الفرقة الخارجة المارقة دليلاً قوياً وحجة ظاهرة في أنه مصيب في قتاله لأهل الشام، وأنه أولى بالحق من معاوية، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق»

من مظاهر الغلو في هذا العصر: الخروج عن منهج الاعتدال في الدين، الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن هذا الدين يسر،

قال ابن تيمية: فهؤلاء ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها

إن من كبرى آفات الخوارج صفة الجهل بالكتاب والسنة، وسوء فهمهم وقلة تدبرهم وتعقلهم، وعدم إنزال النصوص منازلها الصحيحة، وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين ، وكان ابن عمر إذا سئل عن الحرورية؟

مما لا شك فيه أن الخوارج أهل طاعة وعبادة، فقد كانوا حريصين كل الحرص على التمسك بالدين وتطبيق أحكامه، والابتعاد عن جميع ما نهى عنه الإسلام، وكذلك التحرز التام عن الوقوع في أي معصية أو خطيئة تخالف الإسلام، حتى أصبح ذلك سمة بارزة في هذه الطائفة لا يدانيهم في ذلك أحد

تمكن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بغزير علمه وسعة فقهه أن يضع قواعد وأحكاماً، وهي ضوابط شرعية في قتال أهل البغي، ثم سار أهل السنة من أئمة العلم والفقهاء على سيرته في البغاة، واستنبطوا من هديه الراشد الأحكام والقواعد الفقهية في هذا الشأن

كانت الشروط التي أخذها أمير المؤمنين عليّ على الخوارج ألا يسفكوا دماً ولا يروعوا آمناً، ولا يقطعوا سبيلاً، وإذا ارتكبوا هذه المخالفات فقد نبذ إليهم الحرب، ونظراً لأن الخوارج يكفرون من خالفهم ويستبيحون دمه وماله، فقد بدءوا بسفك الدماء المحرمة في الإسلام

قال –رحمه الله-( وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ مَسْتُورٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ قَالَ : لَا أُصَلِّي جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً إلَّا خَلْفَ مَنْ أَعْرِفُ عَقِيدَتَهُ فِي الْبَاطِنِ فَهَذَا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ . )4/331

يقول الشيخ جمال الدين القاسمي صاحب محاسن التأويل : ( من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة كثر سوادها ، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل والمعتدل والمتطرف والغالي والمتسامح وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة

الغلو: الزيادة في الدين أو في التدين والخروج عن الحد المشروع؛ لأن الدين وسط بين الغلو والتساهل، وسط بين الجفاء وبين الزيادة، هذا هو الغلو. هو مجاوزة الحدِّ والتَّشَدُّد في التعبد ونحوه، كالتشدد في الطهارة، بحيث يُكَلِّف نفسه في غسل الأعضاء في الوضوء أو الغسل.

الجواب: لا، بل تطلق على كل ما طغى وزاد عن حده، كما قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] ، فكل شيء يزيد عن حده يسمي طاغوتاً، ولهذا عرفه ابن القيم رحمه الله بقوله: (الطاغوت هو: كلما تجاوز به العبد حده: من متبوع أو معبود أو مطاع)

اعلم - رحمك الله - أن لله حقاً خالصا لا يشاركه فيه أحد من مخلوقاته، مهما كانت مرتبته عند الله، فالله سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والرزق والملك والحكم والسيادة والتدبير، وكل ما سواه مخلوق مربوب عبد خاضع له وحده، قد أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها

معنى الكفر بالطاغوت هو اعتقاد بطلان عبادة غير الله وأن تكفر أهلها وتعاديهم فلا يستقيم الإيمان بالله عز وجل إلا إذا صفا القلب وخلص من كل شائبة شرك وكفر. أما حصر الكفر بالطاغوت بالحاكم بالقوانين الوضعية المخالفة لدين رب البرية فقط فهذا قول غريب لايعرف إلا من أهل الغلو فى التكفير

الطاغوت ليس علماً على شخص معين، بل هو أسم جنس يتناول كل من اتصف بصفة الطاغوت. والطاغوت في أصل اللغة مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، يقول العرب: (طغى السيل) إذا جاوز ماؤه حافتي الوادي وفاض من بين جوانبه

قال الشيخ بن باز –رحمه الله تعالى - الكفر جحد الحق وستره، كالذي يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب صوم رمضان أو وجوب الحج مع الاستطاعة، أو وجوب بر الوالدين ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا أو تحريم شرب المسكر، أو تحريم عقوق الوالدين أو نحو ذلك.

يقول ابن تيمية: " الكفر: عدم الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم20/86 ويقول: _ ((الكفر عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب

أصل الكفر تغطية الشيء، وسمى الفلاح كافراً لتغطية الحب، وسمي الليل كافراً لتغطية كل شيء. قال تعالى {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ} [الحديد، آية 20]، وقال لبيد بن ربيعة: _ حتى إذا ألقت يداً في كافر, يريد الليل؛ لأنه يغطي كل شيء، والكفر جحود النعمة وهو نقيض الشكر،

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة، فأفضلها؛ قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) . قال الشافعي: (وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزي واحد من الثلاث إلا بالآخر) .

نقول: إنَّ اللفظ -أو التعريف أو العبارة- التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة في الإيمان، هو: (أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) وهاتان الكلمتان على إيجازهما تحمل معاني عظيمة جداً. فإذا سُئلت وقيل لك: ما هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة ؟

مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يتركب من ركنين أساسيين هما القول والعمل ولا يجزئ أحدهما عن الآخر ولا يصح قول بلا عمل ,والقول قولان ,قول القلب واللسان ,والعمل عملان ,عمل القلب وعمل الجوارح

إن قضية الولاء والبراء هي من القضايا الهامة والأساسية في دين الله عزوجل ، وذلك لما يترتب على هذه القضية من أحكام وواجبات وتبعات خطيرة على واقع جماعة المسلمين ، ولذلك تجد أن النصوص الشرعية المستفيضة من الكتاب والسنة والإجماع قد ركزت على بيان هذه القضية بياناً واضحاً لا لبس فيه.

قال الله تعالى :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}النحل36

استدل الخوارج على مذهبهم بقوله تعالى: 1- وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44]. ووجه استدلالهم بالآية أنهم ادعوا شمولها للفساق لأن الفاسق لم يحكم بما أنزل الله فيجب أن يكون كافرا كما هو ظاهر

ظهر فيما سبق أن الخوارج يقولون بأن العصاة من أهل الكبائر إذا ماتوا على كبائرهم دون توبة - إنهم ليس لهم إلا مصير واحد وهو النار مخلدين فيها، وقولهم هذا وقول المعتزلة في هذا الموضوع قول واحد وهو تخليدهم في النار، إلا أن الخوارج يرون

يقف الإباضية من هذه المسألة بين أمرين، بين النفي من جهة، والإثبات من جهة أخرى. وذلك باعتبارين مختلفين: فإثباتهم للمنزلة بين المنزلتين يقصدون به النفاق الذي يحكمون به على مرتكب الكبيرة - كما قدمنا - حيث يثبتونه منزلة بين منزلة

وعلى هذا المعتقد فرقة الإباضية كما تقدم. ومع هذا فإنهم يحكمون على صاحب المعصية بالنار إذا مات عليها، ويحكمون عليه في الدنيا بأنه منافق، ويجعلون النفاق مرادفاً لكفر النعمة ويسمونه منزلة بين المنزلتين أي بين الشرك والإيمان وأن النفاق لا يكون إلا في


لا يرى الخوارج أن هناك فرقاً بين مفهومي الإيمان والإسلام، فهما بمعنى واحد عندهم، وفي هذا يقول ابن تيمية في معرض بيانه لأقوال الناس في الإيمان والإسلام: "وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام سواء، وهم المعتزلة والخوارج وطائفة من أهل الحديث والسنة"

وبناءً على ما قدمنا من أن الخوارج يقولون باعتبار العمل جزءاً من الإيمان، يقوم رأيهم في مسألتي زيادة الإيمان ونقصه وحكم مرتكب الكبيرة، وسوف نبين رأيهم في حكم مرتكب الكبيرة في الفصل التالي.

في بيان حقيقة الإيمان عند الخوارج نجد أن لهم في ذلك اتجاهين أما الاتجاه الأول: فهو ما يراه أبو بيهس زعيم فرقة البيهسية ووافقته عليه فرقة الشبيبية إحدى فروع البيهسية وهو أن الإيمان عبارة

1- وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة ينكر الخوارج وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة، يقولون إن خلقهما لا يتم إلا في الدار الآخرة، وهذا ما ذكره ابن حزم عنهم بقوله: "ذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أن الجنة والنار لم يخلقا بعد".

1- صفات الله تعالى هذه المسألة لم أجد فيما تيسر لي الاطلاع عليه من كتب علماء الفرق بياناً لرأي الخوارج فيها بصفة عامة. وقد ذكر الشهرستاني عن فرقة الشيبانية قولاً لأبي خالد زياد بن عبد الرحمن الشيباني في صفة العلم لله أن

للعلماء اتجاهان في تحديد موقف الخوارج من العقل الاتجاه الأول: وهو اتجاه من يذهب إلى أن الخوارج يرون قدرة العقل على إدراك المعرفة بنفسه مستقلاً عن السمع، وأن السمع إنما يأتي

كان للعصبية بين قبائل العرب سلطان قوي قبل الإسلام ، فلما بزغ نوره أخفت صوتها وأوهن قوتها فسكنت زمنا، ولكنها ظهرت من جديد شيئا فشيئا حتى استحكمت في خلافة عثمان وما بعدها فقد كادت العصبية أن تطل برأسها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

هكذا يقول الخوارج عن أنفسهم؛ أنهم إنما خرجوا لهذا السبب حتى يقيموا العدل ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويعودوا بالناس إلى ربهم وإلى دينهم. ولقد كان هذا المعنى من أول المعاني التي يستعلن بها زعماء الخوارج فيحركون

1- الخوارج .. وهو أشهر أسمائهم، هم يقبلونه باعتبار وينفونه باعتبار آخر، يقبلونه على أساس أنه مأخوذ من قول الله عز وجل: وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرً

اختلف المؤرخون وعلماء الفرق في تحديد بدء نشأتهم، وخلاصة ذلك ما يلي: أنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. أنهم نشأوا في عهد عثمان رضي الله عنه.

فإنّ الحديث عن فرقة الخوارج هذه الأيّام هو حديث عن ماضٍ مؤلم، أضاعت فيه هذه الفرقة الطاغية من دماء الأبرياء وحياة الأتقياء وأموال المسلمين ما لا يُحصيه إلاّ الله سبحانه وتعالى،